الصدمة الحضارية دعوة للنهوض بالذات والتفاعل الايجابي مع الثقافات الانسانية

المدينة نيوز- تظهر ملامح الصدمة الحضارية واعراضها على اولئك الذين يسافرون من بلدهم الى بلد اخر , اذ يعاني منها على وجه الخصوص الطلبة الدارسون في الخارج .
متخصصون في علوم الاجتماع والتربية والنفس يرون ان هناك مفاهيم مغلوطة حول مفهوم الصدمة الحضارية التي هي في النتيجة مفتاح جديد لسبر اغوار وعوالم وثقافات اخرى والتفاعل معها بشكل حيوي وحضاري.
الاستشارية النفسية نسرين الخوري اشارت لوكالة الانباء الاردنية (بترا) الى ان الصدمة الحضارية مصطلح في علم النفس يستخدم لوصف الشعور بالقلق وعدم الارتياح والتشوش والحيرة التي يصاب بها الناس عندما يتوجب عليهم التعايش في بيئة اجتماعية مختلفة تماما عن بيئتهم الاصلية , بحكم انتقالهم للعيش والدراسة في دولة أخرى.
وتقول ان من بين العوامل التي تسبب حدوث هذه الصدمة المناخ ، فعندما ينتقل الانسان من بلد حار بطبيعته إلى بلد يتسم مناخه بالبرودة أو لدرجة تصل الى أقل من درجات التجمد ونزول الثلج , فإن ذلك من الصعب التعود عليه بالإضافة الى ان الجهل باللغة هو في حد ذاته عزلة حتى عند الاختلاط بالبشر في البيئة الجديدة , وهناك ايضا اختلاف الملابس والعادات والتقاليد والقيم والمفاهيم .
وتضيف الخوري ان المغترب المستجد قد يعاني من اضطرابات صحية في بداية اغترابه , كإيجاد مطاعم تقدم له طعاما تعود عليه في موطنه خاصة المطاعم التي يملكها أو يديرها أناس من نفس خلفيته الحضارية ، والبعض قد يجد صعوبة في إيجاد أطعمة تتفق وعقائده الدينية أيضا مثل تلك الأطعمة الخالية من النبيذ أو لحم أو دهن الخنزير.
وتبين ان اعراض الاصابة بالصدمة الحضارية تتمثل بالشعور بالوحدة والحزن وقد يؤدي في بعض الحالات النادرة الى حالة الاكتئاب والانشغال بالصحة الجسدية وتضخيم أي أعراض بسيطة مثل الصداع أو الألم البسيط على انه مرض عضال.
وتوضح ان الحد من هذه الصدمة يكون قبل السفر وبفترة كافية من خلال تعرّف المسافر على البلد الذي يسافر اليه ، واصطحاب أكبر قدر ممكن من الذكريات من بلده مثل الصور والأفلام أو حتى مقاطع صوتية للأسرة والأصدقاء, وتعليق الصور والذكريات الأخرى في أماكن مختلفة من المسكن الجديد .
وتشير الى الحرص على البقاء على اتصال وبشكل مكثف مع البلد الأصلي وبالأهل والأصدقاء، والسؤال عن الانظمة والمحاذير في تلك البلد، ومحاولة تعلم اللغة الدارجة بشكل مبسط لتغطية الحاجات الأساسية في الحياة اليومية، وعدم محاولة فهم كل شيء من البداية وبشكل مكثف , فهذا خطأ كبير قد يصيب الإنسان بالإجهاد واليأس والنفور.
وتنوه بضرورة تجنب العزلة من البداية , واللجوء للمراكز التي فيها أناس من سكان البلد الأم والانضمام لهم وحضور مناسباتهم والاتصال بهم هاتفيا أو بأي وسيلة الكترونية ممكنة، وممارسة نوع معين من الرياضة والاسترخاء العضلي المتدرج خاصة عند اشتداد الضغوط النفسية، وإيجاد هوايات جديدة أو ممارسة الهوايات المعتادة.
يقول الاستشاري في علم الاجتماع الدكتور فيصل الغرايبة من الجامعة الاردنية أنه ليس من الضروري ان تحدث الصدمة الحضارية عند اي فرد من الافراد او في مجتمع من المجتمعات في كل الحالات او حين ينتقل ابناء هذا المجتمع الى مجتمع اخر ويتكيف فيه، الا اذا كان هناك تباين بين المجتمع الاول , والمجتمع الاخر (المستقبل ) خاصة اذا كانت ثقافة المجتمع الثاني لا تمت بصلة في القيم والعادات في المجتمع المرسل .
ويوضح ان زيادة الاندماج والتعمق في التعامل مع ابناء المجتمع الجديد تعمل على تقليل الصدمة ويصبح هناك نوع من التكيف الايجابي الفعال .
وبخصوص ان هذه الصدمة تصيب المجتمعات النامية عن غيرها يشير الغرايبة الى أن المجتمعات فيما بينها تتجانس وهذا يجنبها وابناؤها من حدوثها, لكن التباين موجود بين المجتمعات المتطورة والنامية , وعندما يدخل شباب المجتمع النامي الى المتطور يصابون بهذه الصدمة باعتبار انهم يلمسون تباينا في العادات والتقاليد وانماط المعيشة والسلوك وفي التعامل مع الاخرين.
ويقول ان هذا الالتقاء الثقافي بين الحضارات يشكل فرصة لإغناء الثقافات او ثقافة الفرد عن ثقافة الاخرين، مشيرا الى أن الاخذ من الاخرين والاقتباس منهم يغني الحصيلة الثقافية عند الافراد والمجتمعات، فالحضارة الانسانية كل متكامل سواء كان مصدرها هذه الثقافة او تلك , فهي لخدمة الانسان ومسخّرة لحياته في كل زمان ومكان.
وعن العولمة ودورها في الصدمة الحضارية ، يشير استاذ الاعلام في جامعة اليرموك الدكتور علاء الدين الدليمي الى أنها عبارة عن تدفق حضارة وثقافة وافكار لها اغراضها في بيئة ما ولها فلسفتها بأن تدمج كل المجتمعات فيها وتذوب وتنصهر لكي تحذو حذو الثقافة الاولى ، لذلك فالعولمة ان كانت هناك ارضية لقبولها خاصة في دول الجنوب فان تأثير الصدمة سيكون بشكل اقل ومتدرج والتكيف معها مع الحفاظ على الخصوصية والهوية بطريقة ذكية .
ويضيف ان هذه العولمة بكل بهرجتها والوانها واهدافها الخفية تمكنت من اقتحام الخصوصية الثقافية والغاء الهوية الفكرية بحجة ان هذه هي المدنية ومن يتخلف عنها يتسم بالانعزالية والتخلف والرجعية .
ويدعو الى إنشاء مراكز بحثية تعنى بدراسات الرأي العام وبحوث الجمهور وصياغة الخطاب بعيدا عن الانفعال , والاعتماد على خطاب راشد ومحاولة اعداد برامج ذات نكهة مقبولة تقنيا وجماليا وثابتة اجتماعيا ومنطلقة من ثوابت ومرجعيات ثقافية وفكرية تعد ذخيرة البناء الاساسي في المجتمع .
ويشير الدليمي الى أن هناك تأثيرا بالغ الاهمية للتنشئة والتربية المحصنة من الاعلام (المعولم) .
احد الدارسين في الخارج ( اميركا) قيس الصرايرة يقول انه اصيب برهبة عندما وطئت قدماه ارض الغربة والخوف من الفشل بالمستقبل ,وسرعان ما تلاشت مع انخراطه بالمجتمع واتم دراسته العلمية العليا.
ويلفت الى أن الايجابيات التي صادفها اكثر من السلبيات فيما يتعلق بالجانبين العملي والعلمي ونقل المعرفة للأخرين، مبينا ان من بين الايجابيات انه بمجرد الالتحاق بالجامعات والمعاهد لا يتم النظر الى نشأتك مثلا , انما بكيفية التآلف والتأقلم مع الطلبة ، وعقد حلقات اجتماعية ليتم التعارف على الثقافات المختلفة.
ويقول انه حاول الاستفادة من الثقافة الجديدة ونقلها الى مجتمعه، حيث اصبح بفعل المعرفة التي امتلكها مدربا في المهارات الدبلوماسية والبروتوكول والاتكيت ، واسهم باعطاء دورات في مجموعة طلال ابو غزالة الدولية واخرى في الجامعات الخاصة لطلبة السنة الثالثة لتهيئتهم على الانخراط في العمل والاستفادة منها عند استكمالهم للدراسة في الخارج.
ويتابع : انه عمل بصناعة الرسم على الزجاج بالرمل بعدة اشكال وهو ما يعكس احد الوان الموروث في الثقافة الاردنية مثلما قام بتوزيع (بروشورات) سياحية عن الاردن لنقل ثقافته للاخرين عن طريق وسائل تسهم في التعريف بالأردن والترويج لمعالمه الحضارية والتاريخية.
ويلفت المهندس موفق زيادات الذي درس في روسيا الى ايجابيات وسلبيات الاغتراب , منوها بالفئة العمرية بين 17 و 18 عاما ما يتيح المجال امامها للتعرف على ثقافات اخرى وتوسيع مداركها والقدرة على تحمل المسؤولية الامر الذي يسهم في بناء الشخصية والمجتمع المحلي وبيئته.
ويبين انه اذا لم يكن الشاب محصنا بثقافته والوعي الجيد وتحمل المسؤولية المطلوبة ازاء الثقافة الجديدة , يبدأ حينها بالتراجع في تحصيله العلمي والانغماس بالثقافة الجديدة ما يؤثر سلبا عليه ، ومثال ذلك : كان عددنا في السنة التحضيرية بالجامعة حوالي 25 طالبا أنهى من بيننا خمسة طلاب دراستهم فيما بقي الاخرون في المجتمع الجديد ولم يكملوا دراستهم.
ويوضح أنه قبل سفره للخارج كانت لديه معلومات لا بأس بها عن روسيا , لكنها لم تكن كافية الا حين الانخراط بالمجتمع الجديد، مشيرا الى انه شعر بالخوف في البدايات في ظل الصعوبات الجديدة خاصة فيما يتعلق باللغة ولولا مساعدة اتحاد الطلبة في تجاوز الازمة لكان من الصعوبة الوصول الى الهدف الذي من اجلها اغترب للحصول على الشهادة العلمية.