الفتاة والمشرَّد

تم نشره السبت 05 نيسان / أبريل 2014 12:58 صباحاً
الفتاة والمشرَّد
سمير عطا الله

كانت الفتاة تهرع عائدة إلى فندقها تحت المطر، عندما استوقفها المشرّد يطلب مساعدة. بحثت في حقيبتها عن قطعة معدنية من تلك التي يتوقعها المشردون عادة فلم تجد. المطر ينهمر وهو ينتظر مادا يدا راحتها قاسية جعداء. أفزعتها ملامح وجهه وشعره الأشعث وأسنانه النافرة. ومن أجل الخلاص من الموقف أعطته ورقة خمسة دولارات، معتقدة أن ذلك سيفرحه. لكنه أخذ الورقة وقال: أنا في حاجة إلى 20 دولارا لكي أنام في مكان دافئ. تركت له الورقة ومضت مسرعة من لجاجته.

في اليوم التالي كان الطقس صحوا في نيويورك. خرجت الفتاة من الفندق فإذا بالرجل أمامها. حاولت أن تغير الطريق فاعترضها. أشاحت بوجهها عنه، فقال لها بصوته الأجش: أنا أنتظر هنا منذ ساعات لأقول لك شيئا واحدا. لقد تناولت أمس بفضلك أول عشاء ساخن منذ أيام طويلة! عندها تطلعت فيه الفتاة فرأته يبكي فبكت. وحاولت أن تمد يدها إلى حقيبتها، فقال لها: لا. كل ما أريده الآن هو أن تبتسمي. لم يكن في ودّي أن تبكي.

مضت مسرعة. عندما التقينا إلى الغداء، روت لنا، أمها وأنا، ماذا حدث أمس واليوم. قالت إنه في الأمس بدا هذا المشرد مثل وحش ثقيل يحتال متذرعا بالبحث عن نوم دافئ، لكنه اليوم، بدا على ما هو: إنسانا بائسا، قد يمضي كل عمره في هذا القفص البارد. قفص وسيع لكنه قابض وخانق. قفص اللامأوى.

عندما انتهينا من الغداء قالت ابنتي: والآن ماذا سنفعل؟ لم أعرف ماذا تقصد. قالت: الآن جاء دورك في أن تمنحه ثمن عشاء دافئ. لم يكن في ذلك المكان الذي يقضي فيه نهاره. هنا لا يمضي المشردون ليلهم في البقعة نفسها مثل فقراء كالكوتا. ينامون على أدراج بعض المباني في علب من الكرتون التي تستخدمها أنت لشحن الكتب. وبعضهم، كما أخبرتك يوم الرحلة إلى فلوريدا العام الماضي، بعضهم ينقل فقره ومتاعه من صناديق الكرتون إلى هناك، هربا من البرد والمطر وأشهر الثلج هنا.

تقول أغنية شارل ازنافور الجميلة: «البؤس أقل إيلاما في الشمس». لم يغنِ ازنافور مثل سواه للحب والعشق والهجر فقط. بل غنى أيضا للمشاعر الأخرى في أحوال الناس، دون أن ينسى المهاجر الأرمني ما عاناه في سنوات باريس الأولى. هكذا فعل الرحابنة في مسرحهم وأغانيهم، فحضر فيها الإنسان والتاريخ والشام والقدس والضياع.

كان التشرد عيبا في العالم العربي. صار الآن جزءا من يومياتنا. نتحدث عن ملايين التائهين وكأننا نتحدث عن أمر طبيعي متوقع. المفاجأة، يوم لا يكون هناك قتل وتشريد وفقر.

( الشرق الاوسط 5/4/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات