المفاوضات النووية بين الغموض والضغوط المتبادلة
أنهت المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 جولتها الثالثة في فيينا قبل أيام في مناخ من التكتّم والغموض، بينما يبدو مسار التفاوض محكوما بالضغوط المتبادلة بين الطرفين الإيراني والغربي.
يحدث هذا والجميع على بعد حوالي ثلاثة أشهر من نهاية مرحلة الاتفاق الأولي، فما الذي يجري؟ وهل من بوادر لاتفاق نهائي؟
فالإيرانيون يجدون أنفسهم مضطرين لتقديم خطاب أيديولوجي للاستهلاك الداخلي، يروْنه مفيدا أولا في تفسير التنازلات التي قدموها حتى الآن، وثانيا في إخفاء تفاصيل ما يجري من مفاوضات، وثالثا في تفادي أي ارتدادات سلبية في حال فشل مسار التفاوض.
وقد نتج عن هذه السياسة وضع ضبابي في الساحة الإيرانية، دفع -مثلا- عضو البرلمان جواد كريمي قدوسي إلى ادعاء أن المرشد خامنئي قرأ متن اتفاقية جنيف ثلاث مرات ولم يظفر منها بما يفيد بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.
في حين سَيُفيد التكتم والغموض المصاحب للمفاوضات الجانب الأوروبي والأميركي في تفادي تكاليف الضغوط الإسرائيلية داخليا، وحملات تل أبيب التي لم تتوقف ضد أوباما وسياسته الخارجية منذ إعلان اتفاقية جنيف في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
وقد أسهمت تطورات سوريا وأوكرانيا في تكريس هذا الوضع، فالنتائج الميدانية في المنطقتين تسير حتى الآن لصالح الجانب الإيراني، ففي الأسابيع القليلة الماضية شهد الوضع الميداني السوري تزايدا ملاحظا للدور الإيراني وتقدما عسكريا للنظام. أما في القرم، فقد نجحت موسكو في إحكام سيطرتها وتحصين مكتسباتها الميدانية. في حين ظهرت السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما وحلفائه الأوروبيين عاجزة في كلا التطورين، وهو الوضع الذي تسعى إيران وحليفاها الصيني والروسي إلى استثماره كأوراق ضغط في المفاوضات وباقي ملفات الصراع الإستراتيجي مع الولايات المتحدة.
وفي السياق ذاته، تأتي المحادثات الجارية بين طهران وموسكو بخصوص اتفاقية تجارية بقيمة عشرين مليار دولار، تصدر إيران بموجبها النفط مقابل استيراد معدات صناعية وسلع من روسيا، حيث اكتفت واشنطن باتهام الطرفين بخرق بنود اتفاقية جنيف مع تهديدهما بالمزيد من العقوبات في حال توقيع الاتفاقية.
وفي الإطار نفسه، يمكننا إدراج سياسة المقاومة الاقتصادية والتي أمر خامنئي بتنفيذها، بالإضافة إلى قرار الحكومة رفع ميزانية الحرس الثوري والأجهزة الأمنية ومواصلة المناورات العسكرية واختبارات الصواريخ والطائرات العسكرية. بينما مثّل خطاب قاسم سليماني قائد فيلق القدس قبل أسابيع ما يشبه بيانا إستراتيجيا يحاول من خلاله التنظير لإيران كقوة لا تقهر في المنطقة.
ومن الواضح أن طهران تمارس هذه الضغوط من موقع دفاعي تفاديا لأية مطالبات دولية جديدة، وليس من موقع هجومي يسعى إلى كسب امتيازات على مائدة المفاوضات، فكل ما يطلبه المفاوض الإيراني علنا حتى الآن هو رفع العقوبات الاقتصادية والعودة إلى الساحة الدولية، والاحتفاظ بحق تخصيب اليورانيوم، وعدم إيقاف مفاعل آراك مع قبوله بإجراء تغييرات في وظائفه، وعدم إقحام مواضيع جديدة في المفاوضات مثل منشأة فوردو والصواريخ الباليستية أو حقوق الإنسان.
في الجانب الغربي، وعلى الرغم من تشبث الأوروبيين والأميركيين بخيار المفاوضات، يعتقدون أن الضغط المتواصل على طهران هو أفضل وسيلة لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات.
وفي هذا السياق، جاء تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي أكد فيه أن الولايات المتحدة تتعامل مع إيران على أساس أنها قادرة على صنع سلاح نووي خلال شهرين فقط، كما رفض مجلس الشيوخ منح تأشيرة دخول إلى أميركا للسفير الإيراني الجديد في الأمم المتحدة، على خلفية اتهامه بالمشاركة في اختطاف الرهائن الأميركيين في طهران سنة 1979.
وقد أسهم بيان الاتحاد الأوروبي في ما يخص أوضاع حقوق الإنسان داخل إيران في التأثير على المفاوضين عشية الجولة الثالثة، حيث ارتفعت أصوات معارضة في الداخل تطالبهم بعدم الذهاب إلى فيينا التي تترأس الاتحاد الأوروبي في هذه الدورة.
وبعد ختام جولة المفاوضات جاء قرار الحكومة البريطانية بتجديد الحظر على 15 شخصية إيرانية، وتأتي هذه الخطوات الأوروبية استجابة -على ما يبدو- لمطالب المعارضة الإيرانية التي تخشى أن يتم توقيع الاتفاق النهائي بين إيران ومجموعة 5+1 على حسابها، لا سيما أن ملفات الزعيمين كروبي وموسوي المحاصرين وآلاف المعتقلين السياسيين واللاجئين في الخارج لم تحل بعد، ولا تبدو في الأفق أية بوادر لحلها بعد أن تم الإعلان رسميا عن قرب انعقاد جلسات محاكمات غيابية للمتهمين في أحداث انتخابات 2009.
واعتبر البعض هذه الخطوات الأوروبية نكسة في مسار العلاقات المتعافية حديثا بين طهران والاتحاد الأوروبي، بعد زيارة ممثلة السياسة الخارجية كاثرين آشتون إلى طهران، وزيارة وفد آخر من الاتحاد الأوروبي سمحت له طهران بالالتقاء بمعارضين سياسيين.
