العنف تربية

بدأت »اليونيسف« بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وجهات تربوية اخرى بحملة إعلامية على امتداد عام هدفها التصدي لظاهرة العنف في المدارس حيث يتعرض الالاف من الاطفال للضرب من قبل المعلمين.
انها محاولة علنية وواسعة النطاق من اجل احداث تحول جوهري في اساليب التعليم, وتغيير العلاقة بين المعلم والطالب, غير ان الخشية ان تقع الحملة ومنظموها اسرى الاساليب القديمة ذاتها التي تعادي الحوار بين الطرفين المعلم والطالب, باعتبار ان من يستمع يجب ان يكون التلميذ ومن يتحدث يجب ان يكون المعلم.
كما ان الخشية ان يُنظر الى العنف في المدارس على انه خطأ طرف واحد فقط, هو المعلم, بما يتجاهل حقيقة وجود عنف ايضا من الطالب ضد المعلم.
هذان الجانبان من ظاهرة العنف متصلان ببعضهما. وهما نتيجة اسباب كثيرة بعضها يتعلق بالبيئة الاجتماعية, وشيء منها مرتبط بالبيئة السياسية والثقافية.. الخ.
السلطة الابوية لم تختف من نظامنا الاجتماعي, انها لا تزال منتشرة في الاسرة وفي دوائر ومؤسسات سياسية وثقافية لا تقبل لغة الحوار ولا تتقيد بمفاهيم الاحترام المتبادل. هذه السلطة (رجعية الطابع) نشرت تقاليدها السلبية على كثير من مسارات تطور المجتمع. ورغم هذا التحديث الكبير الذي جرى في الدولة على المستويات الاقتصادية والبنى الاساسية المادية الا ان الجوانب الثقافية والتعليمية في المجتمع لم تتقدم الى الامام بل تحركت الى الخلف تحت وطأة التطورات المتسارعة وذات الطابع الفجائي احيانا, مثل نمو السكان الكبير في المدن والمحافظات وانتقال الاجيال بسرعة مذهلة من بيئات فلاحية وبدوية الى بيئات حضرية ومدنية.
لم يحدث التلاؤم المطلوب بين التحولات الاقتصادية والمدنية وبين المفاهيم التربوية والاخلاقية المتطورة. كان المعلم حتى سنوات قليلة مضت شخصية اجتماعية معروفة ومحبوبة ومحترمة في بيئتها ومجتمعها. ولم يكن التلاميذ يجرؤون على التصرف بوقاحة امام عينيه حتى وهم في الطريق من والى منازلهم, لكن مكانة المعلم هذه تراجعت لاسباب تتعلق به واخرى مادية واقتصادية.
اليوم, نسمع الكثير عن معلمين يهانون كل ساعة في صفوف مدارسهم من تلاميذ صغار وكبار. ونسمع ايضا كيف تقوم بعض ادارات المدارس الخاصة بتوبيخ المعلم اذا اظهر رد فعل على وقاحة تلميذه. وبشكل تراكمي, ادى السماح لمثل هذه الانماط من السلوكيات السيئة في المدارس الى ارسال تلاميذ الى الجامعات يحملون العنف معهم كاخلاق وتعامل وتربية. حتى غدت ساحات الجامعات مواقع لمعارك بين قبائل وعشائر بالعصي والسكاكين واحيانا بالمسدسات.
في وصف للتعليم في العالم العربي ذكر تقرير للبنك الدولي بانه »متخلف«, فاذا كان الآخرون قد استخلصوا ذلك عن بُعد, ماذا سيقولون اكثر فيما نرى ونسمع من مظاهر التخلف التي اصبحت اخلاقا رديئة يواجهها الرجل الكبير من بعض اطفال الشوارع في الحي الذي يسكنه حيث لا يُظهرون اي احترام لرجل او امرأة, او من اطفال كبار يقودون سياراتهم بطيش ورعونة وهم يلقون السباب على كل من يتذمر من تصرفاتهم. حتى اذا ما تجرأ احد وحاول التصدي لهم بالكلام انبروا له مستعدين لقتاله واهانته.
من الانصاف اذن ان تكون الحملة ضد العنف في المدارس شاملة, وان تتوجه ليس فقط لادارات المدارس والصفوف ولكن ايضا الى الاسرة وعبر وسائل الاعلام الى المجتمع, كباره وصغاره. فشعار (الحوار) الذي ترفعه الحملة, الجميع بحاجة اليه وليس التلاميذ فقط, انما طلاب الجامعات والسلوكيات الاجتماعية في الشوارع والمؤسسات, فالمشكلة التي نحن جميعا امامها, كما ظهرت في احداث كثيرة في شوارع مدننا, وكما تظهر في احصاءات المركز الوطني لحقوق الانسان, هي ان العنف اصبح تربية يحملها الخريجون الى مواقع عملهم والى الشوارع والجامعات وحان الوقت لإحداث تحول كبير في هذه التربية.0