هيبة الدولة ليست مسرحا للاستعراض

سوف ابدأ مقالي من أمام بوابة القصر الملكي للعائلة المالكة في بريطانيا ، وبالتحديد يوم التاسع عشر من نوفمبر الفين وثلاثة ، عندما استقبلت الرئيس الامريكي جورج بوش الابن ، بعد مرور اشهر فقط ، على سقوط بغداد .
حينها تدخـّل الامن البريطاني بقوة وكثافة ، لفض مظاهرة ضخمة ، امام القصر ، ترفض الزيارة ، ما اضطر الضيف ، ان يدخل من البوابة الخلفية للقصر ، بينما كانت حوافر الخيل العسكرية ، تدوس صدور وعظام البريطانيين ، وتركل رؤوسهم وامام عدسات المصورين .
ثم اذهب معكم الى الحديقة المقابلة للبيت الابيض في واشنطن العاصمة ، حيث كانت الشرطة الامريكية تجرّ الامريكيين من ارجلهم ، وتربط ايديهم ، وتخلي الشوارع منهم ، رغم انهم كانوا يحملون يافطات فقط ، تندد بالتدخل الامريكي في العراق وافغانستان( وهنا لا ادعوا ابدا الى العنف بين الشرطي والمواطن) لكن ضبط الامن احيانا بحاجة لأدوات .
والامثلة لا تقتصر على منارتين ، من منارات الدول العريقة في الديموقراطية ، بل هناك الكثير من الدول ، التي ترفع العصا الغليظة في شوارعها ، لضبط امنها ، وان لم تفعل ، سيصبح الناس فوضى ، ويختل النظام .
اعود الى عمان ، بعد ان اشبعنا بعض الغربان ، السوداء في الوانها وقلوبها حقدا عليها ، وهي تنعق في كل حين ، وتصوّر بكاميراتها كل حادثة فردية او جماعية وتضخـّمها في كل مناسبة ، حتى انتشرت المواقع على اليو تيوب ، تصوّر احداثا نعرف دوافعها ، ومن اشعلها ، ولمصلحة من. ان الديموقراطية حق وقيمة ، لكنها سلاح ذو حدين ، ولا يمكن اسخدامها بشكل صحيح ، الا من قبل الفرد المتحضر الواعي ، الذي يقف على الاشارة الضوئية ، بعد منتصف الليل ، دون خوف من كاميرا تضبطه ، او شرطي سير يحرّر له مخالفة.
هجمتان شرستان ، مدفوعتا الاجر ، تم شنهما على الاردن والشعب الاردني في الاشهر الماضية ، وساكون صريحا الى ابعد الحدود ان قلت: إن العشائرالاردنية والامن الاردني ، هما اللذان تعرضا للتجريح والتشويه ، ووضعا في قفص الاتهام ، من فئات طارئة على الوطن.
ان هذا الوطن ، لم يبنيه ولم يحافظ عليه ، منذ بداية تكوينه ، الا العشائر وابناء العشائر ، مدنيين وعسكريين ، الذين ضحّوا من اجله بدمائهم ، ودماء ابنائهم ، من اجل ان يبقى عزيزا قويا ، ثابتا كالجبال.
لكن الحقد الدفين ، والنوايا الخبيثة عند البعض ، تلصق اية حادثة تحدث بين اثنين بالعشائرية ، حتى ان سائحين في البتراء ، تشاجرا قبل اسابيع فانبرى احد المواقع الالكترونية ، التي لا تريد خيرا للاردن ، ليقول عنها: إنها مشاجرة عشائرية ، وتم تدارك الخطأ بعد ساعات ، ولكن هل كان بالفعل خطأ؟ ام انه مقصود؟. فلم تكن العشائر يوما من الايام ، الا اليد القوية الرديفة ، المنتجة للامن الاردني ، منذ قيام الدولة الاردنية ، بل ربما قبلها بعقود ، فمنهم رجال الامن عندنا ؟ اليسوا من ابناء العشائر؟ الذين فضّلوا حماية الوطن ، على العمل في مواقع اخرى مدنية ، كانت لتعود عليهم باضعاف اضعاف رواتبهم؟
ان ما يحدث على الارض الاردنية ، منذ اشهر ، وهو ما لم نعتد عليه مطلقا ، من تشويه لصورة الامن الاردني ، والزجّ بالعشائر لامر يندى له الجبين ، خاصة عندما يأتينا من بعض ابناء هذا الوطن.
اهذا جزاء (سنمار)؟ ولمن لا يعرفه اطلب منه الرجوع للتاريخ ليقرأ القصة ، ويدرك العبرة والمغزى ، وان اسوء ما يمكن للمرء ان يصنعه ، هو ان يمسك المعول بيده ويبدأ التخريب باركان البيت الذي يحميه ، وهو يفعل ذلك فقط ، في حالات معينة ، فهو اما انه مجنون ، او جاهل ، او خائن ، او عميل ، وفي جميع الحالات ، هو خارج على القانون ويجب وقفه.
احداث كثيرة وكبيرة ، تعرضّ لها الاردن ، وتم استهدافه خلالها ، ولكنها جميعا كانت من خارج الحدود ، حتى هذا العام ، المشؤوم لان السوس جاء هذه المرة من الداخل ، بحجة المطالبة بمزيد من الديموقراطية وحقوق الانسان ، وهناك من الذين يرقصون على حبالها ، ولا يعون ماذا وراء الاكمة من دمار وتدمير لهيبة الدولة. ان رجل الامن في أي موقع يكون فيه ، هو صديق للمواطن من شتى اصوله ومنابته ، وحريص على امن واستقرار الوافد والزائر والسائح ، وان الخروج على الشرطي او رجل الدرك ، هو خروج على القانون ، وتحدّ لهيبة الدولة.
مع الاعتراف ان هناك اخطاءً فردية ، قد تحدث احيانا ، من قبل بعض رجال الامن والدرك ، بسبب احتكاكهم بالمدنيين ، ومحاولة اعادة الامن والسكينة الى حالها الطبيعي ، او عند القيام بالقاء القبض على بعض الخارجين على القانون ، والمطلوبين وذلك خلال محاولتهم الافلات ، والهروب من موقع الجريمة . كما ان محاولة الزج باسم العشائرية ، في كل مشكلة ، هي محاولة لزرع فتنة عظيمة ، لن تكون العشائر حيالها ، لترضى بالاتهام وتقبل به ، لانه اعتداء على حواضن المجتمع ، وعلى رموز ومرجعيات ، تجمع الخير والعطاء والتكافل بين ابنائها ، ولا يقبل عاقل ان توجه التهم جزافا للعشائر. ان ما ادعوا اليه هنا ، هو ان الحرية في التعبير عن الرأي ، مصونة للجميع وبلا استثناء ، وان العقلاء كثيرون في هذا البلد ، وان الحلماء كثر ، لكني احذر من غضبة الحليم ، لان للصبر حدودا ، وان المجتمع بجميع مكوناته ، مدنيين ورجال امن ، هم ابناء هذا الوطن ، يعملون من اجله رقيه ، وازدهاره .ولقد شاهدت بأم عيني ، في كثير من عواصم العالم المتحضر ، كيف ان الامن يلجأ للقوة ، لضبط الامن ، واعادة الهدوء ، ومن منا ينسى ذلك الحريق ، الذي شبّ في مدينة نيويورك قبل سنوات ، بسبب انقطاع التيار الكهربائي ، عندما اقتحم بعض الناس المحلات التجارية ، وكسّروها وسرقوها ، ولم تستطع الشرطة الامريكية صدّهم ، ما حدا بالجيش الامريكي ان يتدخل ، وبعنف ، لضبط الامن والنظام. ان المأمول من ابناء هذا الوطن الاعزاء ، ان يكونوا على قدر كبير من الوعي والمسؤولية ، فالكل اخوة ومواطنون ، لهم حقوق وعليهم واجبات ، وأستغرب ان البعض لم يدرك حتى هذه اللحظة ، قيمة الامن والاستقرار عندنا ، ونراه وهو ويستغرب كيف يلجأ الامن لفرض الامن بالقوة.
هي دعوة للاعلام الإلكتروني خاصة ، وهم زملاء مهنة واعزاء ، ان نتقي الله بالاردن ، وان لا نفتح المجال لتعليقات ، اقل ما يقال عنها: إنها غوغائية جاهلة ، فنحن جميعا في سفينة واحدة ، وكلّ منا له موقعه ، والسفينة في عرض البحر ، والريح شديدة ، وبعض الركاب يضع حديدته تحت ابطه ، يريد ان يحفر لنفسه ثقبا.
هنا تكون المفارقة ، بين من يقول: إن هذا الامر لا يعنيني ، وبعدها يُدخل الماء الى السفينة ، وتغرق بمن فيها ، بحجة الحرية المطلقة للفرد ، وبين من يمسك يده ، ويأخذ الحديدة منه ، ويلقيها في البحر ، ويردعه من اجل مصلحة الجميع.
ان الامن الوطني في هذا البلد ، مستهدف ، وان المؤامرات يُدفع لاصحابها بالعملة الصعبة ، وتبدّل حالهم من حال الى حال - حتى اصبحوا كالقطط السمينة - واضح لا يحتاج الى دليل.
هنا أدعو من خلال موقعي كاعلامي وصحفي ، ومن ابناء هذا الحمى العزيز ، ان نعيد الاحترام للعشائرية ، تلك الحاضنة العزيزة ، التي لم تخذل الاردن يوما من الايام ، وان نعيد الهيبة لرجل الامن في أي موقع يعمل فيه ، لان هيبته من هيبة الدولة ، وان نفعـّل القانون ، الذي يحاكم المجرم ويحمي المجتمع.
اما اصحاب صكوك الغفران ، من المتنطـّعين بحقوق الانسان ، فنقول لهم: انتم لستم في السفينة ، لان ارصدتكم واموالكم خارج البلاد ، وجوازات سفركم في جيوبكم ، تغادرون على اول طائرة ، لكننا نحن ركاب السفينة ، ولن نسمح لاحد مهما كان بخرقها ، لاننا في النهاية ، ندافع عن حياتنا وحياة ابنائنا.
ان هيبة الدولة ، ليست مكانا للعب لاي احد كائنا من كان ، وان الامن الوطني والاجتماعي يتعرض الان و للاسف الشديد للخطر من قبل البعض ، وخاصة من الصغار ، الذين لم تتغبّر وجوههم في صحراء الاردن ، ولم تلفحهم شمسها في يوم من الايام ، بل انهم لم يقدموا شيئا يذكر للوطن ، فهم الطارئون عليه ، والآكلون من لحمه ، يلوكونه وهم يضحكون.
لذلك هي دعوة لكل رجال وشباب الوطن ، ان احذروا من ردم السور المنيع ، الذي يحميكم ، فالامن هو منكم ولكم ومن اجلكم ، فتوجّهوا صوب السور ، ودافعوا عن المدينة ، وذودوا عن الوطن ، بكل ما اوتيتم من قوة.
حمى الله الاردن ، وقائده وامنه الوطني الساهر على راحته وسكينته ، وايد شعبه وابناءه ، وردّ كيد الحاقدين المارقين الى نحورهم.
HOYANM@YAHOO.COM