بين الجدار الفولاذي وشريان الحياة

مشروع الجدار الفولاذي يسيء إلى مصر فوق الإساءة البالغة التي يمثلها إغلاق معبر رفح. والإساءة الجديدة على الطريق بأن تقبع قافلة مساعدات في العقبة عاجزة عن الوصول الى غزّة بسبب الرفض المصري.
رغم كل الاعتبارات السياسية الجدّية لمصر، ففي النهاية هناك حصار يستهجنه ولا يقبله الرأي العام. مصر لا تريد اعترافا بالأمر الواقع لسلطة حماس على القطاع وعلى المعبر، وبالتالي بنتائج الانسحاب أحادي الجانب الإسرائيلي الذي يضع غزّة كجسم منفصل خارج الاحتلال ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. والأنفاق كانت تحلّ المشكلة سياسيا؛ فالتهريب غير الشرعي يزود الأهالي بالبضائع من دون اعتراف من مصر وتعامل مع المعبر، ولم يكن أحد ليقتنع أن مصر تعجز عن السيطرة على الأنفاق التي يقال إنها تجاوز الخمسمائة نفق تنقل أطنانا من البضائع. وحماس عمليا تتعامل مع الأنفاق مثل المعابر الجمركية وتفرض رسوما على حركة المرور وعلى الانفاق نفسها بل وتصدر رخصا مدفوعة بها.
ليس مقنعا كثيرا أن مصر تريد بناء الجدار الفولاذي تحت الأرض لأنها تعجز عن السيطرة على الأنفاق. ولعلها قبلت التمويل الأميركي لمشروع السور الفولاذي لأنها رسميا تدعي العجز عن السيطرة على الانفاق. والسور على ما فهمنا عبارة عن قضبان حديدية مغروسة في العمق تجسّ الحركة وليس سورا من الحديد، وقد يكون الاقتراح بالأصل أميركيا يبرر وجود مستشارين فنّيين عليه كبديل للطلب المرفوض مصريا بمشاركة أمنية في التفتيش عن الأنفاق.
لكن هذا الحصار العقيم كله يبدو سيريالية غرائبية، ماذا بقي من معنى وجدوى لحصار البضائع والطعام والشراب؟ هل يحاصر حماس؟ هل يسقطها؟ أبداً؛ فالحصار يمدّ حماس بقضيّة إنسانية ووطنية كبرى ويؤجّل المواجهة مع السؤال الكبير أمام حماس لتبرير استمرار انفصالها بدُويلة غزّة، والحصار لم يؤثر على حماس وهي تحظى بتمويل ممتاز يديم سلطتها الى أمد غير محدود، ولو نجح الجهد لإغلاق الانفاق نهائيا فما جدوى تجويع شعب غزّة ومنع الغذاء والكساء عنه!
وفي الأثناء تأتي قصّة قافلة “شريان الحياة” بقيادة البريطاني الشجاع جورج غالوي لتلحق مزيدا من الضرر بمصر. طبعا القافلة تظاهرة سياسية ضدّ الحصار وليس فقط إمدادات إنسانية، والمرور في الأردن كان جزءا من التظاهرة السياسية، لكن التوجه هنا كان استقبال القافلة بكل حفاوة، واستقبلها رسميا مندوب رئيس الوزراء وتم تقديم كل التسهيلات الضرورية، وكان هناك التفاف شعبي حولها في نقاط مرورها. ولأسباب عملية تفهّمها المنظمون لم تدخل القافلة قلب العاصمة لتعسكر أمام مجمع النقابات لأن الأمر كان مستحيلا لوجستيا لما يزيد على 250 شاحنة!
ابتداء من اليوم ستعسكر القافلة في العقبة وستتحول الى أزمة تسيء لمصر اذا لم تبادر السلطات المصرية الى قبول مرورها، والحقيقة ان الموقف بات غامضا فالمشكلات الفنّية اختلطت بالسياسية والتصريحات المصرية تقول انها تسمح للقافلة بالنزول في العريش، والمنظمون يقولون إن العبارات تتمكن من نقلها فقط الى نويبع والشركة الناقلة حسب آخر الأخبار تعتذر عن عدم النقل!