مثقفون يرون في تحسين البيئة الاجتماعية وتطوير الوعي قدرة على مواجهة التطرف

المدينة نيوز:- شدد مثقفون واكاديميون على اهمية تطوير وتحسين البيئة الاجتماعية والثقافية لتؤدي دورها المأمول في تجفيف منابع التطرف الذي يستند الى عوامل متعددة مثل الفقر والجهل والامية والتهميش والاقصاء وضعف الثقافة والوعي.
يقول الناقد موسى أبو رياش لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان التطرف عكس الوسطية والاعتدال ، وخروج عن ما تعارف عليه المجتمع من قواعد فكرية وأخلاقية وقيمية وسلوكية ، فالمغالاة والتشدد والتعصب تعد تطرفاً، كما التسيب والانحلال سواء بسواء .
ويضيف ان التطرف ينمو ويزدهر في البيئات التي تفتقر إلى الحرية، خاصة حرية التعبير والرأي والمعتقد ، كما يتولد التطرف كرد فعل على تطرف مضاد في الطرف المقابل .
ويقول الباحث ابو رياش ان التطرف إذا ظهر وتمكن تمدد كالأخطبوط وانتشر كالسرطان ، وهو يؤذن بولادة أشكال أخرى من التطرف ، تسهم جميعها في إضعاف المجتمع وخلخلته، وإن لم تُكبح فقد تؤدي إلى تدميره.
ويؤكد ان المجتمع السوي هو الذي يجفف منابع التطرف ابتداء بمنع أسبابه، والمحافظة على التوازن والاعتدال والوسطية، ومنع السفينة من أن تميل أو تجنح، ولما كان هذا من الصعوبة بمكان، ولا يكاد ينجو مجتمع من مظهر أو شكل من أشكال التطرف، فإن المهمة تبدو صعبة للتخلص من هذا الوباء الداهم الذي عانت منه مجتمعات انسانية عديدة.
ويعتبر ان للأدب والفنون دورا مؤثرا في التحرر من التطرف والتخفيف من وطأته، فهي بصفتها جماليات ترتاح إليها النفوس وتهواها الأفئدة وتأنس لها العقول، قادرة على التأثير على كل إنسان مهما شطّ أو تطرف، وهنا تأتي مهمة المبدع صاحب الرؤية والرسالة والهدف الأسمى بأن يقدم للمتلقي إبداعاً راقياً يركز على المشتركات الإنسانية، ويعلي من شأن القيم والأخلاق المتعارف عليها، ويبتعد عن كل ما يُذكي التطرف أو يدعو إليه.
وترى عميدة كلية الاداب والعلوم التربوية في جامعة عجلون الوطنية الدكتورة مريم جبر فريحات ان التطرف واحد من المصطلحات ذات الصلة بالإيديولوجي والفكري في الإنسان، وكان يمكن النظر إليه كغيره من المصطلحات ذات الأبعاد الإيجابية والسلبية على السواء، لكنه أصبح في وقتنا الحاضر محملاً بكثير من الظلال السلبية التي تقترب به من مفهوم التعصب بشكل عام، التعصب في الدين، وفي الانتماء الجغرافي، أو القبلي، أو العشائري، أو غيره.. بما يصل لدرجة إقصاء الآخر، أو نفي رأيه، وقد يؤدي إلى أشكال من السلوك السياسي والاجتماعي ترتبط بالعنف المعنوي أو المادي، فيقترب به من حدود مصطلحات أخرى، كالإرهاب مثلاً.
وتقول ان من واجب المثقف الذي يعنى بحرية الإنسان في المعتقد والفكر، ان يقف ضد التطرف بجميع أشكاله، سواء التطرف الديني او الفكري والإيديولوجي يساراً كان أم يميناً.
وتؤكد جبر" ان الاعتدال هو سبيل التفاهم والحوار الإنساني المنتج - وإن كنت مع التطرف في العطاء وفي المشاعر الإنسانية تحديداً، لكن بعيداً عن الانفعال السلبي والمغالاة- مشيرة الى اهمية الالتفات بصورة أكثر وعياً وجديّة إلى دور الإعلام في صناعة المفاهيم وترسيخها ، ومن ثمّ مراجعة المنجز والارث الثقافي , وتعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر دينياً وسياسياً واجتماعيا ً.
ويعتبر الخبير والباحث الاجتماعي الدكتور حسين محادين ان التطرف تعبير عن اللاتوازن في اي موقف، مثلما هو تعبير سلوكي عن ضعف صاحبه فردا ام جماعة في الاقناع طرحا فكريا وسلوكا صداميا، مثلما يحمل معاني الاكراه والتعنيف للاخر المقابل .
ويقول ان فكرة التطرف انما تعني ان يضع الفرد ان الحقيقة ملكا له وحده وما على الاخرين الا تبني اطروحاته القاصرة , وبالمناسبة , اندلاع الحروب او الصراعات بين الدول والشعوب تشبه هذا السلوك الواحدي للاسف متناسين اصحاب هذا التطرف ان الحقائق مشاع بين بني البشر ونتاج مرموق لمعاناتهم وتطورهم , كل ضمن خصوصية معتقده وحلوله المجترحة للتغلب على مشاكله الفكرية والحياتية.
ويضيف الدكتور محادين ان نوعية التنشئة الاجتماعية في النأي عن التطرف من قبل الوالدين تؤثر على السلوكيات التي يتشربها الافراد والذي يجري التعبير عنه بنوعية خبرات الطفولة والتي تتعمق لديهم عبر مؤسسات التنشئة المتممة مثل المدرسة والجامعة وغيرها .
ووفق الباحثة والشاعرة الاردنية هديل قطناني فان التطرف كلمة باتت تعني كل شيء خارج عن المألوف أو خارج عن الحالة الاعتيادية التي يعيشها المجتمع إن كانت سياسية , دينية , اجتماعية , سواء خرج على شكل عملي او فكري .
وتقول "ان التطرف يأتي بالخراب والدمار والعنف ,ومما يشجع على التطرف حالة الفرد النفسية او المادية , كنقاط ضعف تنجح بعض الجماعات في ادخال أفكار ايدولوجية الى عالم هذا الفرد ليغير من أفكاره وتأملاته ويسير مسار خططهم , ليصل الى مرحلة الارهاب التي يعتقد بأنها ستوصله الى الحل والخلاص من الازمة وهو في الحقيقة سيكون اليد المنفذة لعقول اجرامية توعده بالسلام والاطمئنان كأسلوب للخروج من الازمة" .
وتبين عضو الهيئة التدريسية في جامعة الزيتونة الدكتورة حنان الخريسات ان التطرف كمفهوم هو محاولة لتشكيل الواقع حسب رؤى وافكار يعتبرها اصحابها بانها الحقيقة وما عداها هو وهم حتى لو كانت هذه الافكار غريبة او غير مفهومة يلزم الجميع بها .
وتضيف ان تقدم الانسان الفكري لا يحصل الا اذا وجد نفسه في وضعيات اختلاف ومواجهة مع اخرين متنوعي المستويات , وهذا بدوره يكشف اوجه نظر مغايرة قد تعينه على تجاوز تمركزه حول الذات واهمال رأي الاخرين .
وتقول ان كراهية الاخر والتعصب والجمود الذهني او عجز الانسان عن تغيير وجهة نظره ووضع نفسه مكان الاخر لفهمه وتفهم وجهة نظره من الاسباب التي تؤجج التطرف لان المسلّمات ثابتة غير قابلة للنقاش لديه .
وتقول عضو الهيئة التدريسية في جامعة آل البيت الدكتورة هدى قزع ان التطرف لا ينفصل عن ثقافة تأسيسية يتلقاها المتطرف من أفراد أو جماعات , في بيئة وفرت ما ينمي مثل هذا التنافر بين أقطاب المجتمع الواحد ، فبعض الأمور التي تبدو هامشية كانت تغذي ثقافة التطرف، والتعليم غير تشاركي ويفتقد إلى تنمية الحوار واحترام الرأي الآخر ، والحقوق بين أفراد المجتمع الواحد غير متساوية والفرص غير متكافئة، لافتة الى ان المتطرفين على اختلاف دياناتهم تمسكوا بكثير من مبادئهم وراثة لا تمحيصا ودراسة وعلمًا، لذلك تراهم يعجزون عن حوار الآخرين في صلب ما تقوم عليه معتقداتهم .
وتضيف إن المتطرف عقله متجمد بما يرضي ذاته وليس لديه القدرة على التأمل وإعمال العقل بما يخدم الحضارة الإنسانية ، وكذلك تراه مندفعًا بعاطفته نحو الكراهية لكل من يخالفه الرأي ، بما قد يولد سلوكًا يميل إلى العنف وإقصاء الآخرين.
وتؤكد ان حل مشكلة التطرف لا يكون بممارسة فعل مضاد على المتطرفين ، إنما يكون ببناء الإنسان واحترام حقوقه واختياراته ، وهذا لا ينفصل عن الدور المؤسساتي ، والأوضاع التي يعيشها الفرد على اختلاف صورها .