على خطى التاريخ ... طريق الحرير

تم نشره السبت 20 أيلول / سبتمبر 2014 02:10 صباحاً
على خطى التاريخ ... طريق الحرير
أحمد عبده طرابيك

طريق الحرير ، هو سلسلة من طرق التجارة ونقل الثقافة التي كانت محور التفاعل الاقتصادي والثقافي في جميع أنحاء مناطق القارة الآسيوية ، حيث يربط بين الغرب والشرق من خلال ربط التجار والحجاج والرهبان والجنود من الصين إلى البحر المتوسط R03;R03;خلال فترات مختلفة من الزمن ، في طريق يمتد سبعة آلاف كيلو متر ، وحمل اسم " طريق الحرير " من التجارة الرابحة للحرير الصيني التي كانت رائجة على امتداد ذلك الطريق ، منذ عهد أسرة " هان " خلال الفترة ما بين عام 206 ق م ، وعام 220 م .

قبل أكثر من ألفي ومائة عام ، عمل " تشانغ تشيان " ( 164 - 114 ق . م ) خلال حكم أسرة " هان " على توسعة طرق التجارة إلى آسيا الوسطى ، حيث تم منذ ذلك الحين ، تسيير قوافل التجارة التي حملت معها الحرير والشاي وغيرها من السلع من تشانغآن " شيآن اليوم ، عاصمة مقاطعة شنشي " إلى آسيا الوسطى وغرب آسيا وحتى أوروبا عبر طريق التجارة ، وعادت تلك القوافل مرة أخري بسلع ومنتجات تلك البلاد إلي الصين .
كانت التجارة على طريق الحرير عاملا مهما في تطور حضارات الصين وشبه القارة الهندية وبلاد فارس وأوروبا والممالك العربية ، فقد عملت القوافل التجارية عبر تلك المسافات الطويلة على
تطوير التفاعلات السياسية والاقتصادية بين الحضارات ، وإن كان الحرير بالتأكيد مثل البند التجاري الرئيسي من الصين إلي تلك البلاد ، ثم راجت إلي جواره العديد من السلع الأخرى ، وجرى تقاسم مختلف التقنيات والأديان والفلسفات والثقافات ، فبالإضافة إلى التجارة كقطاع اقتصادي ، كان طريق الحرير وسيلة للتبادل الثقافي بين الحضارات السائدة خلال تلك الحقب التاريخية ، وبعد عهد أسرة تانغ " 618 - 907 م " ، تحول المركز السياسي للصين إلى الجزء الشمالي وتحول المركز الاقتصادي إلى الساحل الشرقي والمناطق الجنوبية ، وقد أصبح الشحن عبر البحار الخيار الأفضل لنقل السلع ، ومن ثم تخلى طريق الحرير تدريجيا عن دوره كشريان اقتصادي وثقافي يربط بين الحضارات .
يهدف الحزام الاقتصادي المقترح على طول طريق الحرير " الجديد " إلي تنمية اقتصاديات الدول على طول ذلك الطريق ، على
الرغم من الاعتراف بوجود العديد من العقبات في طريقها ، لكن تم إعداد خطط عديدة لإعادة أيام المجد على طريق الحرير مرة أخري ، حيث تقترح الصين إنشاء نسخة حديثة من الطريق التجاري الشهير عالميا ، ففي الخطاب الذي ألقاه في جامعة " نزارباييف " بكازاخستان في 14 سبتمبر 2013 ، أعلن الرئيس الصيني " شي جين بينغ " عن مبادرته حول ضرورة إحياء طريق الحرير القديم قبل ألفي عام ، وتطويره بحزام اقتصادي ليكون أداة ربط بين الدول ، وكرر الرئيس الصيني المبادرة مرة أخري في أثناء زيارته لإندونيسيا في أكتوبر 2013 ، وذلك بهدف تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين ودول أوراسيا ، حيث يستهدف ذلك المشروع عبر أوراسيا أكثر من ثلاثة مليارات نسمة ويمثلون أكبر سوق موحدة في العالم ، وامتلاكها لإمكانات لا مثيل لها .
أخذت مبادرة إحياء طريق الحرير اهتماماً كبيراً ، حيث عقدت العديد من الندوات والمؤتمرات في الصين ، والتي شارك فيها خبراء من مختلف التخصصات ومن العديد من الدول ، وكانت الندوة الأكاديمية الدولية التي عقدت في مدينة " اورومتشي " عاصمة مقاطعة " شينجيانج " ذات الحكم الذاتي لقومية الويغور في الفترة من 23 حتي 27 يونيه 2013، وشارك فيها ثمانون خبيرا وباحثا في الشئون الصينية نصفهم من الصين ، والنصف الآخر من 23 دولة ، من بينها : دول آسيا الوسطى والاتحاد الروسي وبيلاروسيا وتركيا وايران والهند وباكستان ومصر .
تتعلق فلسفة المبادرة لتغيير المفاهيم التقليدية في العلاقات الدولية وهي مفهوم الصراع ، ومفهوم المصلحة الوطنية ، ومفهوم الأمن الوطني . وتحويل ذلك لمفاهيم جديدة ، حيث يحل التناغم والتعاون محل الصراع ، وتطوير مفهوم الأمن الوطني ليشمل السلام الإقليمي ، وربما في مرحلة لاحقة السلام الدولي ، وتركيزه على مفهوم القوة الناعمة بدلا من القوة الخشنة ، وهكذا تسعى الصين لإعادة إحياء مفاهيم عريقة من الحضارة الصينية وغرسها في الفكر السياسي الدولي المعاصر معتمدة في ذلك على عاملين ، الأول العامل الحضاري الصيني وانبهار العالم بتلك الحضارة ، والثاني العامل المرتبط بمعدل التنمية السريع والمرتفع وهو ما أدى بكثير من الدول للترحيب بالتعاون مع الصين والتطلع للاستفادة من تجربتها والاستفادة مما لديها من فائض الأموال .
أهمية طريق الحرير للمنطقة العربية والذي يمر عبر طريقين ، طريق الحرير البحري الذي كان بمثابة رابط قوي بين الصين ودول مجلس التعاون ومصر ، حيث مر أحد فروعه عبر سلطنة عمان والبحرين إلى العراق وايران ، واتجه الآخر نحو اليمن والبحر الأحمر ومصر ثم إلى أوروبا ، أما طريق الحرير البري فقد سار عبر آسيا الوسطى وايران وبلاد الرافدين وفرع منه إلى دمشق ثم الإسكندرية ، وفرع ثالث عبر آسيا الوسطى والأناضول إلى أوروبا ، وهذا يجعل المنطقة العربية بوجه عام جزءا لا يتجزأ من مبادرة طريق الحرير لأنه سوف يفيدها ليس لتعزيز التجارة مع الصين فحسب ، بل وأيضا لجذب التقنيات والاستثمارات الصينية .
الحزام الاقتصادي لطريق الحرير له أهمية حيوية من حيث الاقتصاد والدفاع والأمن الوطني الصيني ، فأمن الصين يكمن في تنمية وتطوير منطقة الغرب الصيني ، حيث موارد الطاقة والموارد المعدنية ، ومعظم الموارد الأولية ، فبعد عقود من التنمية السريعة في المنطقة الشرقية ، فقد حان الوقت من أجل إحداث توازن في التوزيع السكاني والعمراني ، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال خطط تنمية طموحة وواعدة ، كما أن تنمية مناطق غرب الصين من خلال طريق الحرير سوف يعمل على تعزيز العلاقات التجارية بين الصين ودول آسيا الوسطى ، فقد بلغ حجم التجارة بين الصين ودول آسيا الوسطى 46 مليار دولار في عام 2012 ، محققا نسبة نمو سنوي بلغت 13.7 ، وتضاعف حجم التبادل التجاري نحو 100 مرة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول الإقليم .
وقد شكلت تجارة الطاقة الجزء الأكبر من حجم التجارة بين الصين ودول آسيا الوسطى ، خاصة أن دول آسيا الوسطى لديها احتياطي كبير من الغاز الطبيعي والنفط ، في نفس الوقت الذي يتزايد حجم الطلب الصيني على موارد الطاقة ، ومن ثم فإن فرص التعاون بين الصين وآسيا الوسطي تكون كبيرة ، ومع وجود امكانات كبيرة للتعاون في مجالات أخري ، ومن ثم يعتبر الحزام الاقتصادي لطريق الحرير يعمل إلي حد كبير على تأمين إمدادات الطاقة للصين .
وللاستفادة من إمكانات غرب الصين ، أطلقت الحكومة الصينية المركزية استراتيجية الذهاب إلي الغرب ، وذلك من خلال مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد ، والتي من شأنها تعزيز التنمية المتناسقة للمناطق الصينية الشرقية والوسطي والغربية ، وتصحيح خلل التنمية مع المناطق الساحلية الشرقية ، ودفع عملية الانفتاح ، وفتح آفاق جديدة للتعاون وتنمية العلاقات مع دول الأوراسي ، وآسيا الوسطى ، باعتبارها مورد رئيسي للطاقة والموارد الطبيعية ، خاصة أن الصين سوف يصل احتياجاتها الخارجية من الطاقة إلي نحو 75 % من اجمالي استهلاكها بحلول عام 2020 .
لذلك يجب على الدول المشاركة في طريق الحرير الجديد العمل معا من أجل التكامل في كيفية الاستفادة من مواردها الطبيعية ومنتجاتها الصناعية والزاعية ، بالإضافة إلي كل ذلك فإن عملية تنمية إقليم غرب الصين سوف يقلل إلي حد كبير النزعات الانفصالية ، والحد من التطرف من خلال تنمية العلاقات التجارية والثقافية مع دول آسيا الوسطي التي يدين أغلب سكانها بالإسلام ، وتتشابه ثقافتهم وتقاليدهم وقيمهم إلي حد كبير مع سكان غرب الصين .
تعمل الصين ضمن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد على أن تكون منطقة غرب الصين قناة خضراء ، وقاعدة استراتيجية ومحطة هامة على طريق الحرير ، وربط مليار نسمة للحزام المقترح بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى التي تنتمي إلى الثقافة الإسلامية مع سكان جنوب شرق آسيا الذين ينتمون إلى الثقافة البوذية ، حيث يملك سكانهما حضارة عريقة وثقافة راقية ، ولديهما قاعدة سكانية عظيمة ، ويمكن أن يشكلا سوقا هائلة منفتحة بامكانياتهم وقدراتهم وثرواتهم الطبيعية والبشرية والتثقافية والحضارية .
يوجد حماس كبير لدي القائمين على فكرة إحياء طريق الحرير ، وقد تمت خطوات عملية في هذا الشأن ، ففي عام 2010 ، تم إنشاء منطقة اقتصادية خاصة في كاشغر شينجيانغ ، باعتبارها مركزاً تجارياً لدول المنطقة ، بما في ذلك باكستان وكازاخستان ، شملت فنادق ومنطقة تجارة حرة معفاة من الرسوم الجمركية ، وفي عام 2011 تم شحن السلع والمنتجات عبر خطوط السكك الحديدة عبر أوراسيا ، وفي عام 2012 ، تم إنشاء منطقة تجارة حرة في هورجوس فى شينجيانغ ، التي تقع على الحدود بين الصين وكازاخستان ، باعفاءات جمركية ، ومن ثم يمكن القول بأن البداية وإن كانت محدودة لكنها تسير بوتيرة متفائلة من أجل إحياء طريق الحرير الجديد بحزامه الاقتصادي الكبير .
الحماس والتفاؤل الكبيرين ، لا يعنيان أن انجاز الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد يسير بسهولة ويسر ، فهناك تحديات كبيرة أهمها : الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة والمنافسة بين القوى الكبرى ومدي تأثيرها على المنطقة ، ومن هنا تأتي العقبات والتحديات التي تواجه عملية إنشاء الحزام الاقتصادي على المدى الطويل ، هذا بالإضافة إلي أن المدن الصينية على طول الحزام الاقتصادي هي مناطق أقل نمواً وليست بها كثافة سكانية عالية ، وتكاد تنعدم فيها البنية التحتية ، ويتطلب ذلك استثمارات ضخمة ، وفترة زمنية أطول لتشكيل الحزام الاقتصادى الكامل ، الأمر الي سوف يستغرق عدة عقود على الأقل لتغيير الأوضاع في تلك المناطق ، ويتطلب ذلك تشكيل مجتمع اقتصادي وتجاري في أقرب وقت ممكن ، والتي من شأنها أن تزيد كثيراً من قدرة المفاوضات بين الصين والدول الأخري المشاركة في طريق الحرير الجديد ، وكذلك المساعدة في تشكيل التقسيم الاقتصادي المتناسق داخل الصين ، والتي تشبه في الوقت الراهن " اللؤلؤة المتناثرة " التي تحتاج إلي سلسلة لجمعها وجعلها قلادة رائعة .
(الديار الأردنية 2014-09-20)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات