فيضانات فقراء عمّان وفيضانات أغنياء أميركا!

على سيرة «كارثة» الأمطار الأخيرة، وفشل الأمانة والدولة في «منعها»، نتذكر يوماً شتوياً في ألمانيا ذهبنا من بون إلى ساربروكن لحضور مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي لعام 1970. وأذكر أن المطر أغرق الشوارع، لأن البيوت لها طابق تحت الأرض المعروف بـ»الكيلار»، فقد امتلأت هذه أيضاً، ثم فاض النهر وإليه تنتهي مجاري الأمطار، وقتها لم نستطع أن نذهب إلى الفنادق، وكانت المضخات تحاول تفريغ الطوابق السفلى في الشارع، وكان التدفق إلى ..النهر الذي يفيض!!.
كانت هذه حال المدن في أغنى دولة أوروبية، وفي عمّان نتذمر، ونحن أفقر من فأر، ورغم أن الكمالية في صويلح تغرق بالطين، لأن جاراً لنا قرّر تجريف الجبل ليبني في هذا الفصل.. فتكوم التراب في مدخل البيوت، وغمر الحدائق المسكينة.. ولم نحاول، حتى المحاولة للاتصال بأمانة عمان.. لأننا نعرف أنها مشغولة بما هو أهم!!.
أذكر عام 1989، وكنت مساعد ثقافة في الأمانة أن معالي الأمين وقتها رفض دون نقاش كثير مشروع مجاري لمياه الأمطار، كانت الكلفة أربعمائة مليون دينار. وكان الرجل الذي جعل من عمان مدينة حقيقية، يقول: أولاً: لا مال عندنا يكفي لهذا الترف.
ثانياً: نحن لا نعرف أين حدود عمان فهذا التوسع الهائل يجعل المشروع أقرب إلى ..الحزيرة.
ثالثاً: نقبل بالكارثة التي قد تستمر يومين أو ثلاثة، ونتعامل معها على هذا الأساس.
صحفنا مع كل الاحترام تريد أن تجعل المطر كارثة وهو خير عميم، وتريد تجريم الأمانة والدولة وهما غير قادرتين على وقفه، فإذا كنّا لا نستطيع توفير مليار دينار لمجاري مياه المطر، ولا نستطيع منعه لأنه عطاء إلهي.. فلما لا نقبله في الحدود الزمنية.. يومين أو ثلاثة على الأكثر؟!.
لنتذكر دائماً أننا أمة تنتمي إلى عالم الفقراء وأن أميركا لم تستطع وقف الفيضانات التي اجتاحت نيواورلينز وجرفت بيوتها، ولا تزال حتى الآن وبعد سبع سنوات لم يكتمل اعمارها!!.
ملاحظة: حدث في الأغوار الشمالية فيضانات وانجرافات أكثر من الفيضانات والانجرافات في عمان، لكن عناوين الصحف الرئيسية لم تتنبه إليها!!.
الراي 2014-11-05