قبيل انكسار الثورة المضادة

تم نشره الجمعة 07 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 04:20 مساءً
قبيل انكسار الثورة المضادة
سيد أمين

يخطئ من يتصور أن حركة الاخوان المسلمين قد تضررت في العمق جراء الحملة الامنية التى استهدفتها بها سلطة الانقلاب العسكري, سواء من حيث الفكر او التنظيم او من حيث العدد والانصار.

لقد استطاعت عمليات التشويه الاعلامى المتعمد والمستمر والمكثف للحركة أن تحول بالفعل قطاعا كبيرا من المجتمع الى اعداء لها , ولكنها في الوقت ذاته اكسبتها انصارا جددا من هؤلاء الذين رفضوا الانقلاب العسكري وهم اكبر عددا من اولئك الذين يؤيدون الانقلاب ويتجاوبون مع الدعاية الاعلامية الهادفة الى شيطنة الحركة.

وهؤلاء الرافضون للانقلاب من غير اعضاء حركة الاخوان المسلمين متنوعون فقطاع منهم ينتمى الى فصائل التيار الاسلامى عامة وقطاعات كبيرة منه تنتمى لحركات ايديولوجية مختلفة فمنهم القومى والناصري والاشتراكى والليبرالي فضلا عن قطاعات اخري غير مؤدلجة ولكنها ادركت وجود مؤامرة غير اخلاقية وراء الاطاحة بالرئيس المنتخب.

واطلع هؤلاء بشكل يقينى على صنوف عمليات التلفيق التى تستهدف رافضى الانقلاب عموما , والاخوان المسلمين خصوصا , وعاصروا بأنفسهم تفاصيل الكثيرمن المظالم التى لفقت لقطاع واسع من المجتمع.

فضلا عن أن كثير من هؤلاء ينتمون للطبقة المثقفة في المجتمع المصري, ذات التعليم المرتفع وقدرتهم على التأثير في محيطهم الاجتماعى ونقل تجاربهم للاخرين اكثر تصديقا ومنطقية ممن اتخذوا موقفهم جراء دعاية اعلامية تفتقد في كثير من الاحيان للحبكة المنطقية والقابلية للتصديق.

لهذا فأن حركة الاخوان المسلمين لم تفقد انتماء اعضاء لها جراء تلك الحملة الاعلامية والعسكرية ولكنها كسبت تعاطف قطاعات اخري نابهة لم تكن تتصور أن للاخوان المسلمين كل هذه القدرة على التضحية والصمود وتحمل المظلومية دفاعا عن فكر تعتقده ظهر جليا انه يدعو للسماحة لا للعنف.

بل ان هذه الحملة التى تتعرض لها الحركة اعطت فرصة نادرة لتصويب الكثير من الامور التى اعتبرت في يوم ما من المسلمات منها مثلا محاولة الاخوان قتل جمال عبد الناصر وهو ما كذبه استدعاء وإلقاء الضوء على شهادات مهملة لعدد من الضباط الاحرار منهم زكريا محيي الدين الذى اكد انها كانت مجرد "تمثيلية" لتبرير اعدام قيادات الاخوان , وكذلك دورهم في حرب فلسطين قديما وصد العدوانات الصهيونية على غزة حديثا.

واذا كانت الحملة الدعائية والعسكرية كشفت عن مدى صلابة الاخوان وعزيمتهم فانها في المقابل قامت بتعرية كل التيارات السياسية في مصر وأظهرتها لقطاعات كبيرة من المجتمع بانهم مجرد "تجار" مدلسون و"شاويشجية" طائعون يعملون جميعا كـ"خدم" لدى "العسكري" , وانهم يقومون بمجرد "دانتيلا" تزين "حلته".

ومن اللافت ان الحرب التى اعلنتها قوى الثورة المضادة - وهى التى تملك الاعلام والمال والسلاح - على الاخوان المسلمين في مصر أصابت مصر كلها بالاضطراب والخلل وعدم الاتزان الذى لا تخطئه عين دون ان تحقق حسما او نجاحا يذكر, فصارت كميكنة طحن معطوبة تصدر طنينا كبيرا ولا يري لها طحينا , ما يدلل في زاوية مقابلة على مدى تجذر وتماسك وتأثير تلك الحركة في المجتمع , وان نزولهم الى الميادين في ثورة يناير كان يعنى باختصار انتصار تلك الثورة.

وفي زاوية بعيدة فأن الازمة التى عاشها "الاخوان" وعاشتها بالضرورة مصر معهم بعد الانقلاب العسكري اعطت لهم درسا قويا ومؤثرا يستدعى فتح نقاش تنظيمى داخلى يتصدره الشباب ولا مانع من مشاركة قوى خارجية محبة للاخوان في وقت لاحق ايما كانت سواء اسلامية اوعروبية او ليبرالية اوحتى يسارية وذلك لرصد اماكن الخلل التى جعلت حركة بمثل هذه الوزن والزخم تفشل في ادارة العمل السياسي منذ ثورة يناير 2011 , وكيف استطاعت قوى الثورة المضادة, وهى تملك امكانيات بشرية اقل بكثير مما يملكه الاخوان ان تسحب جزءا كبيرا من بساط التأييد الشعبي الواسع الذى كانت تحظى به الحركة , تحت وطأة عمل دعائى بحت من المنطقي انه لا يرقي لما كانت تقدمه هذه الحركة من خدمات اجتماعية ملموسة للمجتمع؟.

ولست ادري لماذا دائما يستهوينى الحديث عن المؤامرة الامريكية على مصر والوطن العربي , وهو حديث جد عاقل , وجد موضوعى, وقلت في ذلك قولا كثيرا من قبل ولكنى نسيت أن اقول ايضا ان الولايات المتحدة لا تحب ان تري في وطننا اى تنظيم قوى ومتماسك حتى لو كان هذا التنظيم حليفا لها , فهى تريد وطننا العربي يعيش افراد اقطاره حالة من التشرذم والتفتت والانعزال لا تسمح بوجود تنظيم متماسك قوى يستطيع ان يقول "لا" للسياسات الامريكية في اى وقت من الاوقات , والامريكى لا يأمن في ذلك أحد.

بقي شيئا لابد ان نذكره وهو أن المايسترو الامريكى لا يأمن وجود أى تنظيم لأى فكر في عالمنا العربي خاصة لو كان مبنيا على قاعدة من الوطنية غير الشعبوية او ذلك النوع من الوطنية العابرة لتلك القطريات التى فرضها علينا المستعمر , فهو لا يأمن الاخوان المسلمين وايديولوجيتهم الراغبة في الوحدة الاسلامية السنية , ولا يأمن البعث الراغب في الوحدة العربية بشتى مكوناتها العرقية والدينية , ولا يأمن حزب الله الموحد للاسلام الشيعى, هو لا يأمن أيا منهم ويضربهم واحدا تلو الاخر او واحدا في الاخر.

واعترف اننى كنت في يوم ما من أشد الكارهين لحركة الاخوان المسلمين وبلغ بي اليقين اننى لم اكلف نفسي حتى بالسعي للتحقق من الادعاءات التى وصمهم بها اعلام العسكر تاريخيا, فاخذتها كمسلمات لا تقبل الجدل , ومنها انهم عملاء لامريكا وقوى الامبريالية الغربية , ولكن فائدة هذا الانقلاب انه جعلنى اعيد النقاش في تلك المسلمات مرة اخري واكتشف زيفها , فلو كان الاخوان عملاء لامريكا وللغرب, ما حدث الانقلاب اصلا وما سجن رئيس منتخب, وما قتل الاخوان وحرقوا ونكل بجثث الشهداء في ميادين التظاهروالاعتصام , وهى للحقيقة كانت ميادين في غاية الحضارية وغاية التنظيم وغاية السلمية..وبالطبع ما لمسته أنا لامسه غيري ممن تحروا الحقيقة , وتخلصوا من الكراهية غير المبررة.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات