الصهيونية والإعلام العالمي

تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية، قبل أيام، نبأ عن ندوة عقدتها جمعية في الولايات المتحدة، كان ضيفاها اثنين من كبار الأثرياء اليهود والعالم، هما العنصري المتشدد تجاه الفلسطينيين، وصديق بنيامين نتنياهو الشخصي، شلدون إدلسون، وحاييم سبّان، صاحب "مركز سبّان" المعروف في بعض "المنصّات" العربية. وجاهرا فيها بسعيهما إلى شراء صحف أميركية معارضة للسياسة الإسرائيلية، بهدف إسكاتها وتغيير توجهاتها. وهو ما يعزز الإثباتات على حقيقة مساعي الصهيونية للانقضاض على وسائل إعلام عالمية مركزية، بهدف المساهمة في بلورة الرأي العام الشعبي لصالح المشروع الإسرائيلي الصهيوني.
ونقرأ في ذلك النبأ عن الندوة التي عقدتها جمعية مهاجرين إسرائيليين إلى الولايات المتحدة، أن سّبان "اشتكى" أمام الحاضرين من أنه لم يكن على علم بنيّة بيع صحيفة "واشنطن بوست"، لأنه كان ينوي مع إدلسون شراءها. فتبعه إدلسون بالقول إن عليهما السعي لشراء "نيويورك تايمز"، من خلال طرح ثمن أعلى بكثير من قيمتها، بما يجعل أصحاب الأسهم يضغطون على العائلة صاحبة غالبية الأسهم لبيعها. وقال إدلسون: "إن المال يقدم الإجابات عن كل شيء. علينا أن نعرض أعلى بكثير من قيمة الصحيفة".
وبحسب ما نشر، فإن الاثنين لا يأبهان بالخسائر التي تتكبّدها الصحف. وقالا بكل صراحة، إنهما يقدمان تبرعات سنوية بقيمة أكبر من تلك الخسائر. ونذكر أن ثروة إدلسون تقدر حاليا بنحو 37 مليار دولار، يجنيها من شبكات نوادي قمار في العالم، وخاصة في لاس فيغاس؛ بينما سبّان الثري "بدرجة أقل"، متعدد باقتصاده، لكنه يساهم بشبكات اتصال، منها ما كانت إسرائيلية.
ما سبق ليس جديدا، فالحركة الصهيونية تشجع أثرياء اليهود في العالم على امتلاك وسائل إعلام عالمية مركزية، وهناك وكالات أنباء عالمية وكبرى غالبية أسهمها مملوكة من أثرياء يهود. وهو ما ينعكس على سياسة تلك الوكالات. فمثلا، هناك وكالات واسعة الانتشار، تبث بعضها أخبارها باللغة العربية ومنتشرة في الإعلام العربي، ترفض استخدام مصطلح "الاحتلال"، من قبيل "جيش الاحتلال"، ووصف المناطق المحتلة منذ العام 1967. كذلك، إذا دققنا في المضامين، فإن توجهات تلك الأنباء تضع الاحتلال الإسرائيلي في موقع من "يرد" على "هجمات الفلسطينيين". وكل هذا يجري تحت مزاعم "الموضوعية" و"الحيادية" الإعلامية، لكن بينه وبين الحياد والموضوعية سنوات ضوء فلكية عديدة.
ونرى أن الأثرياء اليهود في العالم يندفعون نحو وسائل إعلام في الدول المركزية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، سعيا منهم للتركيز على الرأي العام الشعبي في تلك الدول، وعدم الركون فقط إلى الحكومات هناك. وهذا ما يحصل على أرض الواقع.
ليس هذا فحسب، إذ إن الأمر يسري أيضا على وسائل الإعلام المركزية الإسرائيلية. وقد شهد الكنيست، يوم الأربعاء الماضي، جدلا واسعا بشأن مشروع قانون يهدف إلى الحد من توزيع صحيفة "يسرائيل هيوم" السياسية اليومية المجانية التي يملكها إدلسون الذي لا يحمل الجنسية الإسرائيلية. وعدا عن موقف الصحيفة اليميني المتشدد، فإنها صحيفة متخصصة بتسويق نتنياهو والدفاع عنه باستماتة، ومهاجمة كل معارضيه، بمن فيهم أعضاء في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
وأقر الكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع القانون، ما شكّل صفعة مدوية على وجه نتنياهو الذي حارب لمنع إقرار القانون، ولو بالقراءة التمهيدية، رغم أن هناك شكوكا في إمكانية إقراره نهائيا. لكن الجدل الذي شهدته الهيئة العامة للكنيست، يدل على أي مدى تصل الأمور عند شخص إدلسون؛ الذي يموّل الحزب الجمهوري الأميركي، وخاصة التيار المتشدد فيه، بمئات ملايين الدولارات. فإدلسون يُصدر صحيفة تسجل خسائر باستمرار، يغدق عليها عشرات ملايين الدولارات سنويا، كما قال مقدم مشروع القانون النائب إيتان كابل، الذي قال أيضا، إن تلك الخسائر لا تهز إدلسون، فنهر الأموال يتدفق عليه من شبكات القمار في العالم، وهو يستغني عن القليل منها (نسبيا)، من أجل تمرير أجندته السياسية.
إن تراجع مكانة القضية الفلسطينية في أجندة الرأي العالم العالمي، لها الكثير من الأسباب، ومن بينها تأثير الإعلام المركزي، بكل لغات العالم تقريبا. وهذا ما يستوجب وضع استراتيجيات متشعبة، منها ما يحمي "الساحة الداخلية" أيضا.
(الغد 2014-11-15)