كيف نقيم استيراد الغاز؟

ليست المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل بطولة، ولا العلاقة التجارية معها خيانة. والأمم المتحاربة، على مدى التاريخ والجغرافيا، تتبادل السلع وتتشارك في الأسواق، وقد لا يكون شيء من ذلك بين الأمم والدول الصديقة أو غير المتحاربة، فالتبادل والعلاقات التجارية يقيّمان على أساس مصالح الدول وشعوبها، والمكاسب الاقتصادية هي انتصار أيضا. فإذا استطاع الأردن أن يوظف السوق المتبادلة والمتاحة مع إسرائيل لصالح اقتصاده؛ فيزيد صادراته أو يقلل النفقات، فهذا انتصار ومكسب من التقصير تفويته. وإذا كان التبادل التجاري مع إسرائيل أو غيرها من الدول الصديقة وغير المعادية يضر بالاقتصاد، فيجب إعادة النظر فيه والعمل على تعديله، ليعمل لصالح الاقتصاد الوطني.
المبدأ الأساسي في تقييم استيراد الغاز أو غيره من السلع والاحتياجات من إسرائيل، أو من أي بلد، هو المصلحة الاقتصادية، التي هي بالضرورة مصلحة وطنية. أما رفض العلاقات التجارية مع إسرائيل أو أي بلد آخر لأسباب سياسية أو أيديولوجية، فهو معاقبة للذات، وهزيمة مضافة إلى الهزيمة العسكرية. والذين يدعون إلى مقاومة العلاقات التجارية والاقتصادية بالمطلق، ولأسباب متعلقة بالصراع السياسي، ليسوا بالضرورة صائبين. فليس بالضرورة هزيمة أو خسارة لإسرائيل أن تقاطع بضائعها، ولا يمنع تحرير الأرض المحتلة شراء الغاز والمنتجات الإسرائيلية، أو تصدير المنتجات والسلع الأردنية إلى إسرائيل.
صحيح أن العمليات الاقتصادية والتجارية جزء من الصراع، لكن الصراع الاقتصادي ليس بالضرورة مقاطعة الأسواق والمنتجات. فإذا أمكن إدارة العلاقات والميزان التجاري مع إسرائيل ليكون لصالحنا، فهذا انتصار كبير؛ ولماذا لا نعمل لأجل ذلك؟
لم يقل أغلبية معارضي استيراد الغاز من إسرائيل ما هي الأضرار والمخاسر الاقتصادية بسبب ذلك، ولا عرض أحد المكاسب الإسرائيلية، كما لم يقدم أغلبية مؤيدي استيراد الغاز المكاسب الاقتصادية والتجارية لكل من الأردن وإسرائيل.
ربما تكون صفقة شراء الغاز من إسرائيل مضرة بالاقتصاد الوطني، وربما تنطوي على أسرار ومعلومات وجوانب أخرى لم يعلن عنها، أو لم يتحدث عنها أحد. ومن هنا، يمكن أن يقدم المعارضون مداخلاتهم ومقارباتهم. لكن هذه المقاطعة المطلقة التي يدعو إليها معارضون ربما أو الأرجح أنها عمل ضد الذات. فهناك سلع وتقنيات ومنتجات إسرائيلية متقدمة في الزراعة والماء والطاقة والبرمجيات والنانو تكنولوجي والتعليم، وسيكون الحصول عليها مكسبا كبيرا. وهناك منح واستثمارات دولية ستكون المشاركة فيها مفيدة وضرورية، ولا يمنع ذلك ولا يعوق في شيء المقاومين للاحتلال.
أجدى من التوصية برفض استيراد الغاز، لو طلب النواب إيضاحات ومعلومات واضحة وشفافة عن الصفقة. ذلك أن الفساد هو المستفيد الأكبر من السرية؛ ففي ظل هذه الحالة تجري الأمور بعيدا عن الإعلام والمؤسسات الرقابية، والسرية والفساد متلازمان.
(الغد 2014-12-17)