في تقدير الأولويات والتجمع حولها

تم نشره الخميس 18 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 02:55 صباحاً
في تقدير الأولويات والتجمع حولها
إبراهيم غرايبة

لماذا تجتذب الأردنيين الاتجاهاتُ والمواقف القومية والدينية، أكثر من الوطنية؟ لماذا يتجمعون تأييدا أو معارضة أو حفاوة وانشغالا بمسائل وأحداث قومية وتاريخية، ولا تشغلهم بالقدر نفسه قضايا الحريات والعدالة والموازنة والإنفاق العام والضرائب والتعليم والصحة والمياه والطاقة؟ لماذا يقبلون بعشرات الآلاف على مراكز تحفيظ القرآن (أكثر من 3 آلاف مركز)، ولا يتجمعون لأجل تحسين حياتهم وتفعيل المؤسسات العامة وتنظيم شؤون حياتهم ومواردهم، ومراقبة الأداء العام؟ لماذا يوجد في الأردن ستة آلاف مسجد ولا يوجد سوى بضع مكتبات عامة؟ لماذا يتهافتون (متدينين وغير متدينين، ليبراليين ومحافظين ويمينيين ويساريين ومسلمين وغير مسلمين) على التداوي بالقرآن وإخراج الجن من أجسادهم والعلاج من السحر والحسد، ولا يشغلهم مستوى النظافة والأداء في المستشفيات؟ ويعرفون عن أخبار أستراليا وبورما أكثر مما يعرفون عن سياسات شراء الدواء؟ ويحبون الحديث عن ذكرى الفتح الصلاحي أكثر مما يحبون الحديث عن قضايا العمل والزراعة والبيئة؟ لماذا يحرصون على صوم يوم عاشوراء أكثر من السلوك الاجتماعي وسلامة المرور والقيادة في الطرق؟ لماذا يفضلون حضور المواعظ الدينية وتذكر البطولات التاريخية، على البحث والمتابعة في تقرير ديوان المحاسبة أو سياسات التعيين ودور المؤسسات المستقلة وجدواها؟
هل التفسير الصحيح أنهم قوميون وإسلاميون، وأنهم يتعالون على الشأن الوطني بسبب اتجاههم الفكري والسياسي؟ أم هي حالة تغييب للمواطنة وحقوقها وواجباتها؟ أم أنها حالة انفصام شخصية وهروب من المسؤولية؟ هل المسألة نقص في الوعي وعجز عن ترتيب الأولويات، أم أنها حالة انفصال عن الواقع؟ أم أن المؤثرات الإعلامية تخطط للناس أفكارهم وأولوياتهم وسلوكهم وأذواقهم، بل وتوجههم كيف يفكرون ويقيمون الأحداث والمواقف ويرتبون الأولويات؟ حتى في السلوك والاهتمام بقضايا خارجية، يمكن على سبيل المثال ملاحظة كيف انشغلنا بالمقهى الأسترالي أضعاف ما انشغلنا بقتل قرابة مئتي طفل في مدرسة باكستانية!
أن يكون المواطن قوميا أو إسلاميا، لا يعني أبدا أن تنقلب أولوياته السياسية والعامة، وأدواته في تقييم الأحداث والمواقف، فهذه اتجاهات إضافية لا تغني وليست بديلا عن التجمع والتفكير على نحو أساسي حول الموارد وتنظيمها وتنميتها وحمايتها والاحتياجات والخدمات الأساسية. فالمدن والمجتمعات والحكومات تتشكل حول الموارد والأسواق والاحتياجات والخدمات الأساسية.. ويضيف الناس إلى ذلك مواقف واتجاهات قومية وعالمية ودينية يجب أن تؤثر فيها أساسا مصالح بلدهم وعلاقاته وسياساته الخارجية.
لا يمكن بناء مواقف وأفكار قومية وإسلامية من غير مجتمعات متماسكة حول أهدافها ومصالحها. ولن يفيد الحالة القومية والإسلامية، ولا مقاومة الاحتلال، أن تؤيدها أو تنشغل بها مجتمعات وتيارات وأحزاب غير قادرة على حماية وتنظيم مواردها ومصالحها، أو تحتفل بالمعونات والمنح الخارجية مثل ما تحتفي بذكرى معركة حطين.

(الغد 2014-12-18)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات