«تظاهرة باريس» تعنينا أيضا

لا ينفك الاردن يعلن مواقفه الرافضة لـ«الإرهاب» ايا كانت مصادره أفرادا او دولا، او دوافعه ردود فعل على الفعل أو غوغائية بلا أهداف أو مشروعية، وما تحرك الملك والملكة امس الى جانب زعماء وقيادات العالم في تظاهرة باريس، الا رسالة تعبر عن انسجام مع النفس ورؤية واضحة لا يعتريها الغموض او المواربة في مواجهة «داء الارهاب».
المشاركة الاردنية في هذه التظاهرة العالمية ضد الارهاب تحمل عدة رسائل ومضامين، اولها ان ما حدث في باريس وتحديدا الهجوم على صحيفة شارلي ابيدو، لا يمثل بأي حال من الاحوال مسلمي وعرب فرنسا، ومئات الملايين من المسلمين والمسيحيين العرب في كافة ارجاء العالم، فالدين الاسلامي دين التسامح والانفتاح على الثقافات الاخرى، وهو يقف في مقدمة الرافضين للعنف والارهاب ايا كان مصدره واهدافه.
وثانيها: ان الاردن يعرف كيف يفوّت الفرصة على اعداء الامة وسبب ازماتها في الاستفادة من هذا الحدث، لالحاق الضرر بحياة ومصالح نحو عشرة ملايين عربي ومسلم في فرنسا، اضافة الى عشرات الملايين في بقية انحاء اوروبا، خصوصا وان الاعلام المغرض والمتحفز للنيل من العرب والمسلمين في كل مكان، بدأ يوجّه سهامه المسمومة لهؤلاء الابرياء بالتحريض والملاحقة، وتوجيه اصابع الاتهام نحوهم، في محاولة لتأليب الرأي العام الأوروبي ضدهم.
وثالثهما: لا يخفى على احد الموقف الاوروبي المتزن والعادل الذي بدأ بالظهور في الفترة الاخيرة، نحو دعم قضية العرب المركزية (القضية الفلسطينية)، وكان اخرها تأييد فرنسا، وهي العضو الدائم في مجلس الامن الدولي، لحق الفلسطينيين في اعلان دولتهم المستقلة، خلال طرح القرار الاردني - الفلسطيني، على مجلس الامن الدولي، والذي شهد تأييد ثماني دول منها ثلاث دول من اصل خمس لها عضوية دائمة في مجلس الامن، بالتالي فإن تعزيز الموقف الاوروبي وتحفيزه يتطلب رسالة عربية واضحة، خصوصا في ظل انشغال الدول العربية الكبرى بمشاكلها وازماتها الداخلية.
رابعها: ان الاردن الذي يواجه تحديات جمة على جبهته الشمالية، بحكم الحرب العالمية على تنظيم «داعش» المتطرف، وعانى من اثار الارهاب وتبعاته على مدى سنوات طويلة، وهو اول من حذر من الارهاب وعمل على محاربته، دفع ثمن مواقفه ابتداء من عام 2005، وهو يواجه حاليا تحدي أخذ الطيار معاذ الكساسبة رهينة لدى «داعش» منذ اكثر من اسبوعين، وبالتالي فإن تعزيز الجبهة العالمية وحماية نهج الاعتدال فيها، يمثل استراتيجية عمل واضحة ومعلنة ومتوافق عليها وطنيا وعربيا واسلاميا.
لدى الاردن الكثير من الاسباب والاهداف من التحرك القوي لرفض مثل هذه الاعمال التي لا تمت للدين الاسلامي بصلة، ولا يعرف أسبابها وغاياتها ومبرراتها، ولا يشعر بالالم الا من عاش التجربة، وقد عشناها اكثر من مرة، وشاركنا العالم في تحمل تبعاته ومآسيه، ومن الضروري ان نكون في مقدمة الدول التي ترفض مثل هذه الممارسات الشاذة، وهو ما يؤكد انسجامنا بين القول الفعل.
(الرأي 2015-01-12)