مصر تبحث عن زعيم

كأن مصر تبحث عن زعيم، كأن التغيير الذي يمور في احشائها يبحث عن قائد؟! لم تكن ظاهرة أيمن نور التي فاجأت المراقبين حين تحدّى النظام وترشح ضد مبارك عام 2005 إلا بداية إرهاصات التغيير الذي يريد زعيما، وقد تمّ إخماد طموح صاحب "حزب الغدّ" بثلاث سنوات حبسا، ثم كشفت الانتخابات النيابية 2008 كم تهالكت شعبية النظام والطبقة السياسية المنتفعة، فحشد الدولة للانتخابات بالكاد وازن الحشد الإخواني. وكلاهما معا لم يصل الى أكثر من 20 % من الناخبين.
مصر لا تريد التوريث وترغب بالتغيير، وبعد حركة كفاية التي أخذت اسمها من تعبير لمهاتير محمد الرئيس الماليزي السابق في لقاء فكري في مكتبة الاسكندرية تحدث فيه عن فترته وانجازاته العظيمة لماليزيا وردا على سؤال لماذا لم يواصل ردّ بأن 24 سنة في الحكم "كفاية". أمّا في مصر فبعد 28 سنة في الحكم يجري ترتيب نقل السلطة للابن. وفي مصر المعارَضة للتوريث قويّة صريحة وواسعة، وردا على احتمال تحول الحكم إلى جمال مبارك نشأ ائتلاف جديد تحت اسم "مايحكمش"!
لكن المشكلة في هذه المواجهة التي لا تريد استمرارية القديم ولا التوريث أنها لا تملك بطلها المشترك البديل. لفترة ما بدا ان عمرو موسى خيار محتمل لكن الرجل نأى بنفسه، وفي مرّة ثانية تمنّى البعض أو فكر بصوت عال عن صاحب نوبل بطل مصر في الفتوحات العلمية احمد زويل، ولو تجاوب الرجل مع الدعوات الضمنية والصريحة لوجد مهرجانا من التهليل، لكنه عبر عن زهده بالعمل السياسي ورغبته خدمة مصر بالعلم فقط.
د. محمد البرادعي، زميله في نوبل أعطى ردودا إيجابية مبديا اهتمامه بدور سياسي واحتمال الترشح لرئاسة الجمهورية، فتمايلت مصر على وقع الأمل، السلطات هاجمته والمعارضة هللت له.
لم يكن البرادعي يبدو أكثر من موظف دولي كبير مجرد من العواطف الوطنية والقومية حين كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشوها طرفا في متاعب العراق.
بالنسبة للمصريين يبقى مواطنهم البرادعي صاحب نوبل بطلا مصريا عصاميا تعلم ووصل أعلى المراتب في المجتمع الدولي، وليس مهما انه عاش في الخارج فهو حمل اسم مصر عاليا، وحالما أعلن موعد عودته لمصر بدأت حملة لصنع استقبال شعبي حاشد له.
أمس احتشد المئات في المطار بينهم إعلاميون ونشطاء مجتمع مدني وأكاديميون وسياسيون، وكان مئات الشباب قد باشروا حملة جمع تواقيع لترشيحه للرئاسة. وترشيحه يمكن أن يجد صدى واسعا مع ان شرط البرادعي الذي يرفع شعار التغيير هو تعديل الدستور لرفع بعض القيود وإجراء انتخابات شفّافة ونزيهة. ليس مؤكدا بعد أن الرجل سيكون هو المنافس الندّ لكن الالتفاف السريع حوله يظهر كم أن مصر تريد التغيير وتبحث له عن زعيم.
jamil.nimri@alghad.jo