يتتبع محمد أركون في كتابه "نحو نقد العقل الإسلامي" معنى كلمة إسلام عبر التاريخ منذ لحظة القرآن حتى اليوم؛ ويقول أركون عنها بأنها أصبحت مدعاة للإشكال وسوء الفهم من كثرة ما أسقط عليها من المعاني المتناقضة والمختلطة، والكلمة يراها المؤلف غير واضحة على عكس ما نتوهم للوهلة الأولى، فهناك مخيال إسلامي عن الإسلام، وهناك أيضا مخيال غربي عن الإسلام، وهما متناقضان تماما، هذا بالإضافة إلى الاختلاف الواسع بين المسلمين أنفسهم في رؤيتهم وفهمهم للإسلام.
وما يعتقد به الأصوليون وأتباع الجماعات الإسلامية من الدعوة إلى العودة إلى الإسلام الصحيح والخالي من البدع والانحرافات هو برأي المؤلف وهم لا وجود له، وأما شعار "الإسلام هو الحل" فهو برأيه تصور أسطوري استلابي للأمور وليس تاريخيا.
ويدعو أركون هنا إلى منهجية تتجاوز الاختزالية الغربية والاستشراقية المهملة لكل ما هو روحي أو غير مادي، وكذلك النظرة الإيمانية المثالية التي لا تعترف بالأبعاد التاريخية للدين ولا بالمشروطية الاجتماعية له، وهذا ما يجعله (أركون) يعتقد بأن القرآن لم يفهم بعد من قبل العرب والمسلمين.
وهنا يحدد أركون أنواعا من الإسلام أو التراث الإسلامي: الإسلام المنبثق الصاعد في بداياته الأولى، أي لحظة النبوة وظهور القرآن الشفهي، والإسلام العالم، أو إسلام الفقهاء والعلماء والمتكلمين والفلاسفة والمتصوفة في العصر الكلاسيكي على الرغم من الاختلافات الكبيرة فيما بينهم، والإسلام الشعبي، وبالأحرى الإسلامات الشعبية (بالجمع)، والإسلام الشعبوي الأصولي المتطرف الصاعد منذ سبعينيات القرن الماضي.
يلاحظ أركون أن الأديان تعود إلى ساحة تاريخنا المعاصر بطريقة صاخبة وعدوانية، وهو انبعاث التدين وليس الدين في المطلق، فما نشهده في الحقيقة هو عودة الشعبوية الدينية.
ويقول إنه ينبغي الاعتراف بأن الدراسة العلمية التاريخية للتراث الإسلامي ما تزال في بداياتها على عكس المسيحية التي حظيت بإضاءات علمية ضخمة، ويتساءل هل ما نزال قادرين على التحدث عن وجود سلطة روحية عليا للأديان يمكنها أن تقف في وجه مختلف أشكال السلطة التي تزودت بها الأنظمة الديمقراطية الاكثر تقدما؟
ما هي مستويات الصلاحية والمتانة الفكرية والمعرفية التي تتمتع بها الأنظمة اللاهوتية التي يتعلق بها المؤمنون اليوم في الأديان التوحيدية الثلاثة؟ ما هي أنماط العقل والعقلانية القابلة للتعميم الكوني والتي تمتلك الكفاءة الضرورية من أجل توكيد أو دحض المقولات العقائدية للسلطات اللاهوتية والأخلاقية والمعرفية التي تتمسك بها الأديان التوحيدية الثلاثة وكل تفرعاتها القديمة والحديثة؟
ما هي الاعمال المحسوسة والأجوبة الفعلية التي دعمها المتصوفون والمؤمنون العاديون المتعلقون بالإيمان الديني في كل طائفة من أجل ترسيخ سلام دائم وبالتالي منصف بالضرورة بين فلسطين وإسرائيل؟
ibrahim.ghraibeh@alghad.jo