صناديق الشكاوى في المؤسسات العامة.. عودة الروح..

المدينة نيوز- كل وزارة ودائرة ومؤسسة عامة من شمال المملكة الى جنوبها وضعت صندوقا للشكاوى في مكان ظاهر للعيان وأغلب الظن أنه إجراء أتخذ منذ سنوات بناء على تعميم من أحد رؤساء الحكومات.
وفي البداية لقي هذا التقليد الحسن أصداء ايجابية ورأينا بجانب كل صندوق ورقا وقلما مربوطا بخيط وبدأ المراجعون يكتبون ما ينوبهم من ظلم أو تعطيل معاملات وربما أيضا سلط بعض الموظفين من أصدقائهم من يضع في الصندوق عبارات الثناء والشكر لفلان أو فلان، وربما كان هناك من يتابع أمر هذه الصناديق ويتفحص الشكاوى اما لغايات اتخاذ إجراء لتلافي النقص وتصويب الخطأ واما من باب التندر والتسلية بهموم الناس وأمزجتهم الذين وصفهم أحد الوزراء السابقين بأنه (لا يعجبهم العجب ولا صيام رجب).
لم يفت وقت طويل حتى أكتشف المواطن عدم جدية صناديق الشكاوى وتكونت لديه قناعة أنها لم تكن غير ديكور تجميلي لترهل وظيفي وضحك على مشاعر المراجعين ففقدت العملية مصداقيتها خاصة وأن المواطن أقتنع بأن الشكوى المباشرة (بالفم المليان) وأحيانا بالصراخ في ممرات الدوائر الحكومية لم تأت بنتيجة ولا يعيرها معظم المسؤولين اهتماماً فما بالك بشكوى في ورقة تلقى داخل صندوق يعلم الله ان كان هناك من سيطلع عليه أم سيكلف عامل التنظيفات بافراغه في حاوية نفايات الوزارة نهاية الدوام.
ويقول لي أحد الاصدقاء أنه جرب ذات مرة أن يترك ملاحظات في أكثر من صندوق مدونا فيها رقم هاتفه في اختبار لاهتمام المسؤول بملاحظاته أو الاتصال به لشكره أو مناقشته، دون جدوى، الامر الذي يشير – حسب رأيه – الى أن أحدا لا يقرأ ولم يعد ثمة ضرورة أن نكتب.
مناسبة هذا الحديث اليوم أن الحكومة وضمن المحور الاول من الخطة التنفيذية لعمل الحكومة المقدمة الى جلالة االملك، وفيما يتعلق بتطوير القطاع العام والادارة الحكومية وضعت بند تفعيل صناديق الشكاوى لدى المؤسسات الحكومية ووضع الآليات اللازمة للتعامل مع الشكاوى ضمن المشاريع ذات الاولوية للعام الحالي، وفي هذا أشارة الى فشل التجربة السابقة أو أهمالها من قبل المسؤولين، ومن هنا فانني أهمس في أذن الحكومة أن المطلوب ليس فقط تفعيل صناديق الشكاوى وانما استعادة المصداقية المفقودة لتلك الصناديق وإقناع المواطن أن يثق بأهميتها.
استعادة المصداقية لصناديق الشكاوى في المؤسسات العامة عملية شاقة مثلها مثل استعادة المصداقية لما يسمى دائما جهود محاربة المحسوبية، ومع ذلك فالامر ليس مستحيلا ولكنه يتعلق بآليات متابعة الشكاوى ومراقبة الاداء فاذا كانت سلطة فتح الصندوق والاطلاع على الشكوى للمشتكى عليه فاننا لا نتوقع أن يعاقب أحد نفسه أو يعترف بخطئه، واذا كانت الصناديق مكانا لوضع بطاقات الشكر والنفاق فلا حاجة لنا بها ولذلك فانني أقترح أن يكون الاشراف على صناديق الشكاوى وحيازة مفاتيحها من قبل وزارة تطوير القطاع العام ولعل من المفيد أن يكون في الوزارة مديرية متخصصة لهذه المهمة تضع في سلم أولوياتها استعادة ثقة المواطن بصناديق الشكاوى من خلال اشعاره بوصول الشكوى أو الملاحظة ومتابعتها، واستبعاد كل ملاحظات الثناء والشكر (فلا شكر على واجب)، والتمييز بين الشكاوى الكيدية وبين الشكاوى الحقيقية، وفي ذات الوقت اشعار الموظف العام في كل الجهات بجدية تفعيل صناديق الشكاوى وأثر الشكاوى – بعد التثبت منها – على سجله الوظيفي.