حجم المعارضة السورية المدنية
في آخر انتخابات برلمانية ورئاسية شهدتها سورية في خمسينيات القرن الماضي، وقبل عهد البعث بسنوات، شكل حزب البعث اكبر كتلة برلمانية، وكان الناصريون والشيوعيون اقرب لهذه الكتلة مقابل ممثلي البرجوازية الشامية ( الكتلة الوطنية) والبرجوازية الحلبية ( حزب الشعب).
وكانت الجماعات الاسلامية والقوى الاقطاعية هي الاضعف تمثيلا في البرلمان، مما يؤشر على حجم القوى المدنية السورية آنذاك بكل تياراتها الاشتراكية والبرجوازية، ولم تبرز الجماعات الاسلامية على السطح الا بعد احداث حماة 1965، وكان الجناح الحاكم من حزب البعث بقيادة أمين الحافظ، هو الجناح الذي صار لاحقا مقربا من العراق الذي اتهم بقصف المدينة..
وقد ظلت القوى المدنية هي القوى الأكبر في سورية طيلة العهود السابقة، سواء كانت على طرفي نقيض او متعاونة، كما حدث بعد حركة الأسد 1970 التي نسجت علاقة خاصة بين الحزب وجناح بكداش في الحزب الشيوعي السوري وغرف التجارة والصناعة في الشام وحلب، واصطدمت في الوقت نفسه مع اليسار الراديكالي، جناح الترك في الحزب الشيوعي السوري، ورابطة العمل الشيوعي التي ضمت نخبة من المثقفين المتحدرين من اللاذقية وطرطوس..
ويشار هنا، الى المكانة الخاصة للتيارات الناصرية سواء في الشارع او الهيكل المنظمة بقيادة الدكور جمال الاتاسي آنذاك..
وظلت هذه "الخريطة" موجودة بشكل او بآخر الى ما قبل عدة سنوات؛ حيث راحت قوى اليسار والقوى المدنية بكل تياراتها تتآكل وتتراجع على غرار ما اصاب الحركة اليسارية والمدنية العربية بعد الانهيار السوفييتي.
ولنا ان نقول ان هذه القوى قبل احداث 2011 كانت في أسوأ ايامها وحضورها، ولم تكن قادرة على فعل اي شيء او توظيف تلك الاحداث لمصلحتها..
ولو جرت انتخابات في سورية على غرار مصر او تونس بعد تلك الاحداث مباشرة لما تغيرت خريطة تلك القوى عن واقعها الحقيقي وبنسب لا تتجاوز الـ 10 % في احسن الاحوال، مقابل التجاذبات ذاتها التي شهدناها في تونس مؤخرا، بين (الدولة العميقة) الحاكمة وبين جماعات الاسلام الامريكي والعثماني.
لذلك كله، من الافضل والاكثر حكمة للمعارضة السورية المدنية وبقاياها، سواءً التي اجتمعت في القاهرة، او المشكلة من القوى الاقليمية والدولية، ان تشخص حجمها جيدا، وان لا تأخذها العزة بالاثم، وان ترسم خطواتها بناء على الواقع السوري، وتتقدم بمبادرات واقعية تسمح لها بتطوير قدراتها وحضورها وفق تفاهمات تاريخية مع الدولة، تبدأ أولا وقبل كل شيء بوقف القتال، وطرد المرتزقة الاجانب، واعادة الاعمار.
ومن المفترض ان لا يتساهل سياسي سوري واحد في الدولة والمعارضة في مسائل، مثل هوية الدولة القومية ومركزيتها وعروبتها ومشروع التحرر الوطني القائم على فك التبعية، والعلمانية والثقافة المدنية، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والصراع مع (اسرائيل).
(العرب اليوم 2015-03-05)