أزمة المالية العامّة والتفكير غير التقليدي

في اللقاء مع الأعيان أول من أمس أراد الرئيس التنبيه أن ما نعاني منه ليس أزمة في الاقتصاد الوطني بل أزمة في المالية العامّة، وهذا توضيح نوافق عليه؛ فحسب بيانات المالية العامّة عن العام 2009 اقترب حجم الاحتياطي النقدي من 11 بليون دولار وحجم الودائع لدى البنوك من 20 بليون دينار، وذهب منها للتسهيلات الائتمانية أكثر من 13 بليون دينار. وتراوحت نسب الزيادة في التسهيلات بين 10 % الى 16 % للقطاعات المختلفة، وكانت أكثر من 12 % لقطاع الانشاءات. وكنّا أوضحنا هذا التمايز في مقال عن "الأنباء السيئة" من الحكومة عن وضع المالية العامّة قبل عشرين يوما.
لكن أزمة المالية العامّة ستنعكس بدرجة معينة على الوضع الاقتصادي عندما تقرر الحكومة عدم تأجيل المعالجة والقيام بإجراءات. ويصبح السؤال ما هي الاجراءات التي تؤثر بأقلّ قدر من السلبية على الاقتصاد، والضغط الزائد على جيب المواطن يؤثر سلبا على الاقتصاد، فتراجع القدرة الشرائية يخفض الاستهلاك ويزيد التباطؤ في الاقتصاد.
عجز الموازنة كما أقرته الحسابات الختامية التي نشرها البنك المركزي أول من أمس بلغ 1450 مليون دينار بعد المساعدات وانخفاض المساعدات بأكثر من 300 مليون دينار فاقم العجز. والمساعدات المتواضعة المتوقعة هذا العام تجعل الحلّ محليا، اذ يجب بصورة ما رفع الإيرادات وخفض النفقات؛ وكلاهما له تأثير سلبي على الاقتصاد، على الأقلّ ما دام التفكير يتجه للوسائل التقليدية وهي زيادة الضرائب على السلع والخدمات من جهة وتقليص النفقات الرأسمالية من جهة اخرى لأن هامش التحكم بالنفقات الجارية محدود للغاية.
هل يمكن إبداع وسائل غير تقليدية وذات أثر بعيد المدى أو استراتيجي لمواجهة الموقف؟ هذا سؤال أو تحدّ مطروح على الاقتصاديين والمفكرين عموما، والحقيقة أننا لا نلمس حراكا ما على هذا الصعيد، وغالبا يكون التداخل حول جزئيات تساجل حول هذا الإجراء أو ذاك من موقع يتعارض أو يوافق الإجراءات الحكومية. وغالبا ما تصطدم المعارضة بمشكلة البديل ونادرا ما يقدم شيء مقنع كبديل، فالاعتراض على التوسع نحو بعض السلع أو إضافة بعض الضرائب هنا أو هناك يستند فقط إلى منطق محصور بالإجراء نفسه من دون تقديم مقابل مقنع وستكون هذه باستمرار مشكلة السجال الدائر حول مواجهة العجز ناهيك عن التلاوم حول مسؤولية الوصول الى الوضع الراهن.
من باب إلقاء حجر في البئر الراكدة، أرمي فكرة
"الضريبة على الأصول"! الفكرة ليست جديدة، فقد طرحت مرّة عندما كانت الأسهم تصعد فلكيا بينما الموازنة العامّة الفقيرة تعاني من شحّ الموارد. وفي حينه تمّ سريعا ردّ الفكرة جذريا، لكنني هنا أتحدث عن شيء أوسع كثيرا، أعني الضريبة السنوية مثلا 1 % على الثروة، وهي يمكن أن تكون على شكل أسهم لإعادة بناء ثروة للقطاع العام. وأتوقف هنا خوفا من الغوص في تفاصيل لا أملك حولها المعرفة والخبرة، ناهيك عن انتهاء المساحة المخصصة للمقال. والمعنى هو طرح التحدّي أمام تفكير يتجاوز الوسائل التقليدية التي تحتاج إلى عقد ونصف آخر على غرار برنامج التصحيح لكن من دون أن يكون لدينا ما يمكن خصخصته للحصول على المال.
jamil.nimri@alghad.jo