كازينو السياسة بين الدرزية واليهودية والعربية

المدينة نيوز- حديثي هنا عن برنامج الاسبوع الماضي من 'في الصميم' الذي بثته قناة 'البي بي سي العربية'، حيث التقى حمد عمار عضو الكنيسيت الاسرائيلي عن الطائفة الدرزية - حزب 'اسرائيل بيتنا'. البرنامج كان صادما حد القهر حتى لتشعر انك بحاجة للانتقال الى غرفة انعاش اعلامية بعد ما تتلقفه من صدمات في حلبة هذا الحوار الذي عكس قدرا ثقيلا من الحمق والبلاهة كما الوقاحة والتعنت التي تحدثت عنهما في استضافة بيريس في الأسبوع الذي سبقه، بحيث تشعر انك واقع تحت تأثير تنفس اصطناعي يعرضك لخطر الاختناق بمجرد انقطاع الامداد الهوائي عن رئتيك الكريمتين وأنت مشدود لمتابعة ذلك الاستبسال الاعمى غير المقنع في الدفاع عن سياسة ليبرمان مما لا يرقى الى تمثيل الطائفة الدرزية الكريمة .
انتماء مبرمج
بدا عمار في هيئة غير سوية، مرتبكا مهزوزا ومتخبطا، فالجواب الوحيد عن أي سؤال كان:' اسرائيل دولة ديمقراطية تعطي الاقلية الدرزية والعربية حقها' كأتك تتابع مشهدا آليا، شحنت فيه الالة التي أمامك وتمت برمجتها وضبطها على وتيرة واحدة، واليك قائمة الاسئلة التي اجاب عنها هكذا حتى ليهيأ إليك أنه تم تعليق الديمقراطية كجرس انذار في حنجرة تلك الالة :
'كيف تتوافق الديمقراطية مع الدولة اليهودية؟ - هل الحقوق متساوية اليوم بين المواطن اليهودي والعربي في اسرائيل؟ - هل يطالب الحزب المواطن اليهودي بما يطالب به العربي بالقسم للولاء الرسمي الى الدولة الاسرائيلية؟ اذا كانت اسرائيل دولة ديمقراطية فلماذا تحظر على العرب احياء ذكرى النكبة بينما هي تحيي ذكرى الهولوكست؟ اما عن المهاجرين الروس الى فلسطين والذين يشكلون النصيب الاكبر من حزب ليبرمان فما الفرق بينهم وبين المهاجرين الفلسطينيين وحق العودة؟ ومن اولى بالعودة: من يسكنون المخيمات ام من يستقلون فضاء خمس نجوم للهجرة لبلاد ليست لهم؟
تصور أن سكان المخيمات بنظر عمار يجب ان نجد لهم محلا خارج فلسطين، لانهم لو عادوا لن تكون هناك اسرائيل وهنا يقع ضيف الصميم في فخ تناقضاته وقد ساله معوض:'نحن متفقون اذن على ان يهودية الدولة الاسرائيلية مما يلغي ديمقراطيتها' والجواب مجددا هو: ان اسرائيل ديمقراطية!!! يا دي النيلة!
لم يمل عمار من نفس الجواب رغم ما حمل في اجاباته من تناقضات، المعوض كثيرا ما كاد يفقد صبره الذي حافظ عليه حتى اخر لحظة، بينما كان ضيفه يبتلع ريقه ويبدر منه غضب غير مستحب في حوار قائم على فضح الحقيقة وتعريتها، خاصة في السؤال المتعلق بنية اسرائيل ترحيل الدروز في ناقلات مكيفة والذي اعتبره عمار نكتة وليس تصريحا لدعاة الترانسفير، حيث اكد بكل ما اوتي من حنق ان اسرائيل لا تنوي ذلك.
ثم كم اساء هذا الرجل الى طائفته حينما اجاب عن سؤال انتمائه للجيش الاسرائيلي في الحرب على لبنان وعلى الدروز فيها وقد اعطى الاولوية لاسرائيليته على درزيته، علما بان معوض سأله عما اذا كان ابناء طائفته يتبنون ويؤمنون بما يقوله عن يهودية الدولة وسياستها الخارجية ليقوم باللف والدوران وعدم التطرق لرأي من يمثلهم...
السؤال الاكثر احراجا هو عن اصل اجداده قبل النكبة: وهو اصل فلسطيني وبعد النكبة تحول الى اسرائيلي، ولكن ماذا لو عادت فلسطين - كما تساءل معوض - هل سيغير هذا جلد الطائفة من جديد للهوية الفلسطينية؟ اليست تلك اكبر اساءة لطائفة لها مبادئها الصارمة والثابتة من شعنون تابع لا يمتلك ذهنية عميقة وصافية قادرة على التأقلم مع المجتمع دون ان تفقد انتماءها لاطارها العام مهما تعددت هويته او اختلفت بيئته السياسية والجغرافية التي ينتمي اليها... اليست تلك ايضا جريمة اقتلاع اجباري من الجذور الام؟
وافق اراء الاخوة القراء في ردودهم على المقالة السابقة انه لا يحق للاعلامي العربي تقمص شطارة مستوردة لا يتجرأ عليها سوى مع ضيوفه العرب، وفي الوقت نفسه ارى ان من المعيب حقا أن يتقمص السياسي دور البهلوان الالي غير مراع كرامة ومبادئ الطائفة التي يمثلها.
هنا عليك ان تضع نقطة على السطر بعد ان تصرخ ملء الفم: من أين ناتي بكل تلك المقدرة على نهش لحمنا كأننا نعد من أجسادنا ولائم اعلامية جاهزة للعدو، فأي أمة نحن؟!!!