تطهيرالقدس ... بين «الدم» و «حليب النياق»

زرت المسجد الاقصى مرة واحدة في حياتي ، مكثت فيه ساعات واياما ، وكأن المسجد بروح ولسان ، ينطقان ويشتكيان لك الهجر والخذلان ، فتئن روح المسجد ، وتجعل روحك في أنين حتى يومك هذا ، وكأنها بقيت هناك.
فلسطين ليست بحاجة لعلب السردين التي يُرسلها العرب ، ولاشوالات الطحين ، وليست بحاجة الى كل هذا الحبر المهدور على البيانات ومُفردات الشجب والتنديد ، فالقصة واضحة كما الشمس.فلسطين بحاجة الى من يُحررها ، من أسرها.لا الى من يفاوض على ماتبقى منها ، ولا الى من يُغمض عينيه وكأنه لايرى ولايسمع ولايتكلم.الوضع الذي نحن فيه يحتاج الى مافوق الانتفاضة الثالثة ، والى مافوق العادة في الفعل.من ثورة فلسطين الثمانية والاربعين بحيث يتصل "خط النار" الى كل فلسطين ، والذين يقولون ان اهل فلسطين الثمانية والاربعين يجب ان يسكتوا حتى لايخسروا وجودهم وجنسياتهم ، في ظل مخطط يهودية الدولة ، يريد تحييد هؤلاء ، ويريد خنق غزة ، وتحويل القضية الى قضية "شموع" يتم ايقادها في "رام الله"بحيث تُنفذ اسرائيل مُخططها الاكبر.
التوقيت خطير وجد حساس . كنيس حوربا الذي سيُعلن عنه خلال ايام ، وفي الخامس عشر من الشهر الجاري ، سيتبعه بدء بناء هيكل سليمان في القدس في السادس عشر من الشهر الجاري.والسبعة ايام التي ستلي هدم المسجد الاقصى والتي افترضت فيها في مقال سابق ، ان العرب سيغضبون ويتظاهرون ثم سيمضون ، افتراض اثار ضيقا لدى بعض الجمهور ، لانني بدوت كمن يُكسّر روح الامة.لم اقصد ذلك.قصدت التحريض والاستفزاز.الشباب الذين رشقوا جند اسرائيل في القدس الجمعة الاخيرة يخيفون اسرائيل اكثر من ملايين العرب المشغولين بفقه السواك والنفاس ، واكثر من ملايين العرب المشغولين بالشعر النبطي وحليب الناقة وفوائد العسل مع حبة البركة ، واولئك المشغولون بتكديس المليارات في المصارف.
الله تعالى في القرآن الكريم وفي سورة الاسراء يُحدد الملامح . فلسطين لا تعود الا بحرب ، والقدس لا تعود الا بحرب.من يقف في وجه الحرب المقدسة ، يقف في وجه ارادة الله.وقوف لن يطول.لان كل شيء سيتم رده الى اساسياته اجلا ام عاجلا.فلسطين اليوم لاتريد بيانات ولاجمعا للتبرعات.فلسطين بحاجة الى "خط النار"الممتد في كل انحائها ، ومن فيها من ملايين الفلسطينيين قادرين على بعثرة كل المخطط ، في يوم واحد ، ليس بانتفاضة محصورة ، وانما بثورة شعبية توحد الشعب الفلسطيني ، وتمتد من البحر الى النهر. قنبلة فلسطينيي الثمانية والاربعين ليست سكانية ، هي القادرة على هز اسرائيل وتهديمها من الداخل ، والمسجد الاقصى ليس مجرد مبنى اثري.هو قلب فلسطين والعرب والمسلمين.
في النظريات الجبانة من يقول هكذا.غزة حمساوية ويجب ان تحاصر.اهل القدس عليهم ان يسكتوا حتى لايخسروا اقاماتهم.اهل فلسطين المحتلة ثمانية واربعين يجب ان يسكتوا حتى لايخسروا جوازاتهم ووجودهم.اهل الضفة عليهم ان يسكتوا لان الانتفاضة لم تُقدم حلا ، ولان الجنرال دايتون سيغضب.تفتيت الشعب ، كان تمهيدا للاستفراد بقلب فلسطين ، اي القدس والمسجد الاقصى.اليوم علينا ان نصحو ونتخلص من هذه التعريفات الوظيفية.سنخسر كعرب كل شيء.شعب فلسطين سيخسر كل شيء في النهاية ، حتى لو سكتوا.لماذا يسكتون اذن ، ولماذا لا يقلبون كل الحسبة والحسابات. ولا يكون ذلك الا باشعال الشعلة دون حسابات ، فالخسارة مُحققة ، اصلا ، ومادامت مُحققة ، فلتكن مقابل شيء على الاقل ، سينقلب الى ربح شاء من شاء وابى من ابى.
مصيبتنا في كثرة من يهزأ بالحل الرباني ، اولئك الذين يحدثونك عن السلام والظروف الدولية واستحالة التحرير ، الى آخر هذه الثقافة التي تساند اسرائيل عمليا.الحل واضح.فلسطين لاتعود الا بالحرب ، وفلسطين لاتعود الا على يد المقاتلين ، منها وفيها ، ومن عربها ومسلميها ، وبغير ذلك ، سيخرج من يعلن بدء المفاوضات حول حنفيات المسجد الاقصى بعد قليل.
الدنيا على مفرق طرق ، اما فلسطين فيغسلها الدم من احتلالها ، لا حليب النياق.
mtair@addustour.com.jo