تصريحات البشير عن الإخوان.. المصالح أولى

المدينة نيوز:- خرج الرئيس السوداني عمر البشير كعادته بعدة تصريحات أذهلت كثيرا من الناس، حيث قال البشير في تصريحات لصحيفة الاتحاد الإماراتية إن بلاده ترفض رفضا واسعا ظهور الطابع الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عبر ما يعرف "بالتنظيم الدولي"، منوهًا إلى حق الدول في اتخاذ ما تراه مناسبًا لخدمة أمنها واستقرارها بعد تنامي تأثير التنظيم الدولي للإخوان وتدخله في شؤون عدد من الدول العربية، على حد وصفه.
كما أكد البشير أن السودان تتفهم كل الظروف التي دفعت عددًا من الدول الخليجية لإدارج جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية المحظورة، لأنه لا يمكن لأي دولة أن تقبل تقسيم ولاءات أبنائها بين الداخل والخارج، وأضاف البشير أن تنظيم الإخوان الذي نشأ في مصر شهد العديد من التغيرات والتحولات ولعل الفكرة الشمولية التي وفرها التنظيم الدولي وتبنتها الجماعة هي نقطة الخلاف الحقيقية، وقال: "لا نقبل لأي سوداني أن يدين بالولاء لأي تنظيم خارجي".
كانت هذه التصريحات صادمة لكل من كان يظن أن الرئيس عمر البشير هو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وأنه يدعم الإخوان المسلمين سرا في محنتهم الحالية، ولكن من يتابع تاريخ البشير بشكل خاص وتاريخ الإخوان المسلمين في السودان بشكل عام، يدرك حقيقة الأمر، وكيف أن البشير هو أحد المستفيدين من الإخوان المسلمين، وأنه تنكر لهم فور وصوله إلى السلطة.
وصول البشير للسلطة:
الرئيس عمر البشير كان أحد ضباط الجيش السوداني، إذ تخرج من الكلية الحربية السودانية عام 1967 وتدرج في الرتب العسكرية حتى عين قائداً للواء الثامن مشاة خلال الفترة من 1987 إلى 30 يونيو 1989 قبل أن يقوم بانقلاب عسكري على حكومة الأحزاب الديموقراطية برئاسة رئيس الوزراء حينئذ الصادق المهدي، بالتعاون مع حسن الترابي وحزبه، ومن حينها تولى منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989، ووفقاً للدستور يجمع رئيس الجمهورية بين منصبه ومنصب رئيس الوزراء.
الترابي والإخوان والبشير:
ترأس الدكتور حسن الترابي الإخوان المسلمين في السودان لفترة من الزمان، حيث تم انتخابه في العام 1969 أمينا عاما للجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن بعض قيادات الجماعة رفضوا ذلك، وخرجوا من الجماعة، وكان من بينهم الشيخ جعفر الشيخ إدريس.
في عام 1976 استشعر الرئيس جعفر نميري خطورة الأحزاب الكبرى في السودان (حزب الأمة/ الحزب الاتحادي الديموقراطي/ الإخوان المسلمون بقيادة الترابي) على حكمه، وذلك بعد محاولة عسكرية انقلابية قام بها العميد محمد نور سعد مسنودا من ليبيا، فعقد في السنة التالية ما عرف باسم المصالحة الوطنية فدخلت هذه الأحزاب معه الحكم، وقام الترابي وقتها بحل تنظيم الإخوان المسلمين، لكن القيادات التي انشقت عن الجماعة لرفضها قيادة الترابي، تمسكت بالاسم والتوجه بقيادة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، ولم تشترك في الحكم مع الرئيس نميري.
وفي عام 1986 شكل الدكتور حسن الترابي الجبهة الإسلامية القومية، وكان أغلب تنظيم الجبهة فعليا من الإخوان المسلمين، وكان مما نادت به هذه الجبهة أسلمة المجتمع وتأسيس حكم الشريعة الإسلامية في السودان، ونجحت هذه الجبهة في اختراق البرلمان والحكومة والجيش والمنظمات المحلية والإقليمية ومنظمات رعاية المرأة والشباب، كما أقاموا الحملات التعليمية لأسلمة المجتمع من خلال الدولة، وفي نفس الوقت قاموا بالسيطرة على مؤسسات إسلامية خيرية من أجل الترويج لأفكارهم والتي أدت لنشر أفكارهم في المجتمع.
في عام 1994 أنشأ الرئيس البشير حزب المؤتمر الوطني، وتنكر لعلاقته بالجبهة الإسلامية القومية ورئيسها حسن الترابي، الذي تعرض للسجن مرات كثيرة على يد البشير، بعد أن أبعده من موقع القرار فكون حزبا معارضا للحكومة باسم "المؤتمر الشعبي".
هكذا انقسم الإخوان المسلمون في السودان بين الترابي والبشير وفريق ثالث لا يزال يحمل اسم الإخوان المسلمين وهو الفريق المعتمد لدى الجماعة الأم، وهذه الانشقاقات الكثيرة في صفوف الجماعة هي التي مكنت للبشير في الحكم، فهو استفاد من الإخوان ومن خلافاتهم، وفي المقابل لم يحقق لهم أي فائدة، ولم يحقق أيضا أي إنجازات في سبيل تحكيم الشريعة، بل اتسمت إدارته للبلاد بالعشوائية وانتشر الفساد والتأخر، وانقسمت البلاد في عهده، وصار للجنوب دولة مستقلة.
سياق تصريحات البشير:
جاءت تصريحات البشير للصحيفة الإماراتية مخيبة لآمال عناصر الإخوان المسلمين، حيث لم يقم البشير بالدفاع عن الجماعة كما يفعل نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ولم ينف عنها تهم الإرهاب، ولكي لا يثير إخوان السودان ضده، قال إنهم لا يرتبطون بعلاقة تنظيمية معهم، مع أن جميع الإخوان المسلمين في كل بقاع الأرض بينهم رابط تنظيمي، وإن كان غير مؤثر في قرارات التنظيم في كل بلد، ولكن يبقى المرشد العام للجماعة في مصر هو المرشد العام للجماعة في العالم كله، ويترأس المراقب العام في كل قطر الإخوان في قطره.
لكن هذه التصريحات تعد طبيعية إذا أخذنا في الاعتبار أنها صدرت من البشير خلال زيارته لدولة الإمارات، فالإمارات معروفة بمواقفها الشديدة تجاه الإخوان المسلمين، والبشير في حاجة ماسة لدعم الخليج والإمارات لنظامه، حيث أنه يعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية جمة، يتحمل هو الجزء الأكبر من أسبابها، وهو يدرك جيدا أنه لن يحصل على الدعم الخليجي بصفة عامة والإماراتي بصفة خاصة إلا إذا قدم ما يجعله مستحقا لهذا الدعم، وفي ظل هذه الظروف، فليس هناك بيد البشير سوى التبرؤ من فكر وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين بشكل نهائي.
ويخشى البشير أن يحسب نظامه الحاكم في السودان على الإخوان المسلمين أو الإسلام السياسي في ظل الجهود التي تبذلها الإمارات ومصر ودول خليجية أخرى للقضاء على القوى الإسلامية بصفة عامة والتابعة للإخوان بصفة خاصة، واضعا أمام عينه ما يحدث في ليبيا وتونس، وما تتعرض له حركة حماس في قطاع غزة من تضييق وتشديد للحصار المفروض منذ سنوات طويلة.
الإنتخابات السودانية:
وتأتي تصريحات البشير في ظل الخلاف بينه وبين تنظيم الإخوان السلمين المعترف بهم في السودان من قبل الجماعة الأم، حيث أعلن إخوان السودان مقاطعتهم للانتخابات القادمة مع بقية قوى المعارضة السودانية، وهو ما يعني بقاء ظهر النظام مكشوفا أمام القوى المختلفة التي تعادي نظام البشير وما أكثرها.
لكن النظام السوداني لن يتخذ –في الوقت الراهن على الأقل- أية خطوات من شأنها تأزيم العلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين في السودان، لأن الظروف التي يعيشها نظام البشير لا تسمح له بخلق المزيد من الأعداء، ولكن هذه التصريحات قد تكون بمثابة رسالة إلى إخوان السودان بعدم الذهاب بعيدا في معارضته حتى لا تلقى نفس المصير الذي يلاقيه الإخوان في الدول الأخرى.