عيد الام: تسليع المناسبة تكريس للصورة النمطية للمرأة

المدينة نيوز:- عشية عيد الام، تنتشر كالنار في الهشيم إعلانات تربط ترويجها لسلع بالعيد، ما يعتبره مراقبون وأكاديميون، اختزالا لدور الأم النبيل بالطهي والخدمة المنزلية، في تكريس للصورة النمطية للمرأة الام.
يقول متخصصون في علمي الاجتماع والشريعة، إنه لا يليق اختزال يوم الأم بطريقة استهلاكية تستخف بدورها، معتبرين أن الهرم الوجداني والإنساني ربما أصبح مقلوبا من حيث أهمية الحضور العاطفي للأم، إذ تحولت مناسبة يومها السنوي إلى ثنائية العرض والطلب في السلع المهداة اليها، داعين إلى إعادة النظر بمفهوم استدامة التعبير الوجداني للأم طيلة أيام السنة في إطار من الاحترام والعاطفة والسؤال المستمر عنها حتى في غمرة انشغالاتنا بظروف الحياة اليومية.
يقول عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الخطيب، "ليس من الانصاف اختزال الأم في أواني الطهي والتنظيف كنوع من الهدايا التي تقدم لها، بل أن الهدية من المفترض أن تعبر عن مكنونات الحب والاحترام والتقدير والعاطفة، والبر بالوالدين".
ويلفت الدكتور الخطيب إلى أن الأم تحتاج إلى الأمان، بحيث نقدم لها ما يعبر عن حبنا لذاتها وليس لطعامها، كأن نهديها رحلة للاستجمام، أو رحلة لأداء فريضة العمرة مثلا، مؤكدا أن كل الاعلانات التي نسمع عنها أو نراها لا تتعدى البعد التجاري، لتحقيق مزيد من الارباح للتجار، مطالبا بحملة اعلامية تعيد للأم دورها الحقيقي وكيانها، بحيث يتم الترفع عن أواني الطبخ وأدوات التنظيف وطناجر الطهي و "الجلايات".
ويشير إلى نوع من الهدايا في ظل الحملات الاعلانية الضخمة عن ادوات المطبخ والطهي، وارتباط ذلك ذهنيا بفكرة أننا كنا نعود من المدرسة فنرى الطعام جاهزا والبيت مرتبا...، وهذه الفكرة تجعلنا نفكر في أن الأم ربما ملّت من هذا الدور اليومي وتريد شيئا استثنائيا يبعدها عن الروتين المعتاد.
ويُشخّص الاستاذ المشارك في علم الاجتماع الدكتور حسين محادين من منظور علم اجتماع، الأدوار المتعددة التي تؤديها المرأة وتصل الى مسامات الحياة جميعها بما فيها الرجل الذي يتممها بالمعنى الارتباطي، لكن هذا التشعب والعمق لا يوازيه من غايات المعاني السامية للأم على الدوام.
ويقول، "يبدو أن تجار السوق كانوا الأذكى في التقاط المعاني المحوّرة لدور الأم والمختزلة بيوم وحيد في السنة مع تكرار وجود عناصر إغرائية بالمعنى الاستهلاكي للناس، ما أوجد تحريفا لمعنى الأمومة ودلالاتها، إلى الحد الذي أصبح فيه العرف أقوى من سمو المعاني عبر البحث عن سلعة مادية مؤقتة أو عنوان فرعي صغير يستثمر في يوم وتُهمل معاني الأم في بقية أيام السنة".
ويبين الدكتور محادين أن الهرم الوجداني والانساني ربما أصبح مقلوبا من حيث أهمية حضور الأم ذهنيا في ظل تحول المناسبة "عيد الأم" إلى ثنائية العرض والطلب في السلع المهداة غالبا، مشيرا إلى أن علينا إعادة النظر بمفهوم الاستدامة في التعبير وتعزيز حضور الأم، فهي الولود في العاطفة المستمرة، وهي المأوى والحضن الحاني بالصبر والعطاء دون كلل أو شكوى.
ويزيد، أمام هذه الأبعاد لابد من القول ان أمامنا الكثير ما يمكن عمله لصالح امهاتنا ومن ذلك التمكين، فما زالت مشاركة المرأة في الأردن أقل من المتوقع حيث لا تتجاوز النسبة 15 بالمئة، ولا زالت هنالك اتجاهات غير منصفة بحقها ومنها تدني الاجور ومحدودية الضمانات الصحية من حيث الجودة، ناهيك عن النظرة المجتزأة لقدراتها وحضورها في العمل وفي النقابات ومؤسسات المجتمع المدني وسوق العمل .
ويرى الدكتور محادين أن الانسان عندما أخذ في الاغتراب في علاقاته الانسانية ضعفت العلاقات الاجتماعية وسادت (الانا) المضخمة، ما أثّر على التواصل مع الوالدين وتحديدا الأمهات حيث بدأنا نلحظ زيادة بأعداد الملتحقات بدور الرعاية، في ظل هجر لقيم العائلة.
ويرى أن علاقاتنا مع أمهاتنا شابها الفتور بسبب انشغالات الحياة وأحيانا البعد الجغرافي الذي حال قسرا دون التواصل اليومي مع الأم، التي أفنت عمرها في التربية والتعليم بغية تحقيق انسانيتها في رؤية أولادها في مواقع متميزة علميا وعمليا.
ويشدد على أهمية الحوار مع الأمهات، بعد أن شابه بعض الفتور خاصة في ظل التكنولوجيا التي تقتصر على التواصل الفضائي دون الحوار الوجداني المباشر الذي يرصد لحظيا ردود الفعل المختلفة، ما يحدث صورة مضللة حول التواصل، إذ يضع البعض منشورا معينا "بوست" بمناسبة عيد الأم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لإظهار حبه لوالدته, فيما هو يمارس في الظل ما هو نقيض لذلك السلوك من تعنيف لفظي أو معنوي .
ويلفت الدكتور محادين إلى أهمية ايجاد لغة مشتركة بين الاجيال والحفاظ على مكانة الأم بكل أيام السنة وليس عبر "طنجرة وقلاية".
وتتحفظ استاذة علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتورة رانيا جبر، على تخصيص يوم واحد في السنة للأم، فيما الأصل أن كل أيام السنة هي ممارسة فعلية احتفالية بالأم قولا وفعلا واحتراما وتقديرا وتبجيلا، مشيرة الى أن اختزال الأم في أدوات المطبخ نوع من الاستخفاف بدورها السامي .
وتوضح أنه درجت العادة على ان يُقدّم المقتدر وغير المقتدر هدية من المفترض أنها رمزية للأم في عيدها، الامر الذي يحوّل الاسواق التجارية إلى بورصة للعروض التي تأخذ في مجملها الطابع "الخدمي المنزلي" وكأن دور المرأة لا يتعدى "المطبخ".
ومع تأكيدها أهمية تقديم الهدايا كعمل اختياري وحرية شخصية في اختيار نوع وشكل وقيمة الهدية، إلا أن الاعلانات التجارية تحصر قيمة الأم في "أواني الطبخ والجلايات وطناجر الطهي"، الأمر الذي يعد انعكاسا للصورة النمطية أو التقليدية التي غلفت بها المرأة بشكل عام.
وتشدد الدكتور جبر على أن دور الأم أكبر وأجل وأرفع من حصرها بأدوار لا تتعدى الجانب الاشرافي على البيت، بل من المفترض في مثل هذا اليوم التركيز على الناحية العاطفية والوجدانية التي تربط الأبناء بأمهاتهم، كالمشاركة في إحياء الذكريات والحديث عن الماضي الجميل والتطلعات المشروعة في أجواء عائلية، ترتكز على الحوار، وتعظم دور الأم الاستثنائي، ولو كان ذلك بتقديم هدية مثل وردة، للتعبير عن الحب والاحترام والتقدير للأم وليس لتذكيرها بمهمتها كطاهية، فالأمهات لا ينتظرن في مثل هذا اليوم أكثر من العطف والحنان والتواصل المباشر مع الأبناء ممن اجبرتهم ظروف العمل أن يعيشوا بعيدا عنهن.
هذا ما أكدته الأمهات أيضا، فقد حذرت "أم فيصل" أبناءها وبناتها من أن يحمل لها أحدهم "طنجرة أو صينية أو قلاية"، أو أيا من أدوات الطهي والتنظيف، لأن في ذلك استخفافا بدورها كأم، مفضلة عدم اصطحابهم لمثل هذه الهدايا، لأن وجودهم حولها في يوم الأم، هو بحد ذاته أكبر وأغلى هدية.
وفي جانب من الطرافة والاحتجاج تقول الستينية أم عواد، إنها لا تعير موضوع الهدايا أي اهتمام ولكنها تنزعج حين تهديها زوجة ابنها "طنجرة"، فيما تكون الهدية لوالدة "كنتها" سلسلة ذهبية، مؤكدة أن الهدية تعبير عن العطف والتقدير وليس الكيل بمكيالين، ومع ذلك فإن أم عواد، لا تريد لأبنائها إلا الخير ولا تنتظر أي نوع من الهدايا بقدر ما يعنيها الاهتمام العاطفي والحنو عليها والسؤال عن صحتها.
أما الخمسينية "أم مهند" فلا تجد أي مشكلة في نوع الهدية سواء أكانت أدوات مطبخ أم غيرها، وهي ترضى أن يضع لها ابنها "منشورا" عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة عيد الأم، أو حتى مقطع لأغنية خاصة بالمناسبة.
(بترا)