ديمقراطيات منزوعة الدسم !

المدينة نيوز- قد تصلح هذه الديمقراطيات لمجتمعات مترهلة أعاقت السُّمنة حركتها ، وحولتها البيروقراطية الى آلات ذات مفاصل يعلوها الصدأ.
انها وصفة لم يقترحها حتى الآن السّيد الانجلو ساكسوني للعالم ، وان كان الرئيس القادم من الجهة الأخرى والأشبه بجملة معترضة في كتاب البيت الأبيض قد اوحى بها.
الديمقراطيات "الدايت" أو منزوعة الدسم تصلح للترشيق وأحيانا لترشيد شهوة الالتهام ، التي لا يجيدها احد قدر القطط وهي تتلذذ بسادية بالفئران قبيل الاجهاز عليها ، وهذه ليست المرة الأولى أو الوحيدة التي نعود بها مجددا الى صفر الديمقراطية في التاريخ ، منذ شهدتها تلك الساحة الاغريقية في أثينا حتى جنازاتها الرمزية المتعددة في معظم آسيا وأفريقيا ، فالديمقراطية ليست قرارا ، وليست هواية ميسورة لمن يريدون تجريب أنماط الحكم ، انها حليب تربوي أولا وعاشرا ، وما لم يؤهل الناس لها بدءا من البواكير أو ما يسمى نعومة الاظفار تبقى مجرد مصطلح غير قابل للفك ، على تلك الطريقة الساخرة التي تحدث بها ارنست همنجوي عن الورقة من فئى الألف أو المليون دولار أضافت شعوب العالم الثالث المنكوب بالأوبئة والاستبداد والعمى المفاهيمي الى الديمقراطية قليلا من الدم ، تماما كام يضاف الحليب الى القهوة ، ونادرا ما عادت الديمقراطية المشردة الى قواعدها سليمة من الصناديق ، اذ سرعان ما تندلع أصوات هنا وهناك تشكك بها وتكون الحصيلة كما في العديد من النماذج المعروفة توائم بأسماء القتلى والجرحى والمعتقلين لأنهم متهمون بالتعامل مع الأجنبي ومع القوى المتربصة بالأوطان.
هذه المعزوفة لم تعد تطرب حتى من يعزفونها لأنها لحن نشاز في عصر لم يعد يقبل الحفلات التنكرية الا في مناسباتها بحيث يعود كل كائن بعد شروق الشمس في اليوم التالي للحفلة الى سحنته الحقيقية وصوته الطبيعي ، فالحصان يصهل والأغنام تثغو والغربان تنعق ، وما يكتب ويقال ويبث أرضيا وفضائيا على مدار الساعة بل اللحظة عن الديمقراطية باللغة العربية يزن أطنانا لكنه يراوح بين سؤال ناقص واجابة أشد نقصانا ، وهذا ما يفسر لنا حالة التخثر وتصلب الشرايين التي أصابت الواقع العربي منذ قرر أن يكذب على نفسه حتى يصدق،.
خاطرة ـ بقية
ورغم فضائل الميديا ووسائل الاتصال الا ان لها رذيلة لا يمكن تخطيها هي اتاحة الفرصة ذاتها لمن يضللون ويميلون مع حركة الريح ويبدلون ألوانهم بمهارة تفوق مهارة الحرباء ، ما دام الدافع هو ذاته ، وهو البحث عن النجاة والخوف المدفوع الى أقصى الهلع،.
وذات يوم - قد لا يكون بعيدا - سوف يدرك العرب كم خسروا بسبب غياب الحريات والشفافية ، رغم أوهام الربح العاجل ، وقد سبقنا ذلك الحكيم الذي اختصر المسألة كلها في حمارين ، أحدهما ينوء بحمولة الملح والآخر يبرطع لخفة الاسفنج ، وحين تورطا بقطع مستنقع ، ذاب الملح وامتلأ الاسفنج ، وتحول البكاء الى ضحك شامت ، مثلما تحول الضحك الى بكاء مالح،.