المطلوب استراتيجية وطنية بعد الانتخابات الإسرائيلية

منذ الأيام الأولى للمفاوضات التي انطلقت في مدريد عام 1991 مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أعرب رئيس الوزراء آنذاك شامير عن عزمه مدّ المفاوضات مع الجانب الفلسطيني لأكثر من عشرين بل ثلاثين سنة، وهذا الإعلان كان واضحاً ووقحاً في ذات الوقت، ولكن الأطراف العربية المشاركة في المؤتمر، والوفد الفلسطيني وقيادته لم يأخذوا هذه «التصريحات الصادقة» بالجدية اللازمة، إلى أن ثبتت تلك القاعدة، فها هي القيادة الفلسطينية تراوح مكانها إن لم يكن إلى الخلف بعد أربع وعشرين عاماً من المفاوضات، التي لم تؤد إلا إلى مزيد من المكاسب وكسب الوقت للجانب الإسرائيلي، المعتمد بغطرسته على القوة العسكرية، والسياسة خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية.
حتى أن أوسلو التي وقعت مع حزب العمل برئاسة اسحق رابين والتي نصت على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية في أيار 1999 لم تجد طريقها للتنفيذ سواء خلال حكم العمل وحلفاءه أو خلال حكم الليكود وحلفاءه «الأكثر تطرفاً وعنصرية». وهذا بتقديري ناجم عن التشرذم العربي الرسمي والضعف الرسمي الفلسطيني، مما وسع الفجوة بميزان القوى مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي قام المجتمع الدولي ممثلاً بأمريكا ودول عربية بدعم هذا الاحتلال سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً، ليتفوق على كافة قوى الدول العربية مجتمعة.
وها نحن راقبنا خلال الأشهر الماضية سباق الانتخابات في الكيان الصهيوني العنصري، بين قائمتين متطرفتين، إحداهما تتحدث وتخاطب المجتمع الدولي بخبث وخداع عبر كلام معسول، والقائمة الأخرى التي تتصف بالإرهاب والنازية وارتكاب جرائم الحرب، ولكن خطابها واضح دون تجميل، وبالطبع دون أي اعتبار سواء لأمريكا الداعم الأكبر أو للمجتمع الدولي وقراراته الخاصة بفلسطين، ودعوته لإنهاء الاحتلال للأرضي المحتلة منذ عام 1967.
فماذا كانت النتيجة؟ بالطبع وكما توقعت كغيري من السياسيين والمراقبين والمحللين، فإن النتيجة لم تكن مفاجئة، بل متوقعة، وربما أقل قليلاً من التوقعات، فالمجتمع الإسرائيلي، أثبت بالدليل القاطع، أنه مجتمع دوني إرهابي توسعي، معاد للسلام وكاره له بل عاشق للحرب ولإراقة الدم الفلسطيني، فهذا الشعب الصادر الذي يناضل من أجل الحرية والاستقلال، يفتقر إلى الدعم الحقيقي من المجتمع الدولي، لتنفيذ الشق الثاني من قرار 181 والقاضي بإقامة دولة عربية فلسطينية على 45% من أرض فلسطين التاريخية.
وأما تصريحات نتنياهو العنصرية والعدوانية أثناء حملته الانتخابية بتخليه عن خيار الدولتين، وتصريحاته العنصرية بحق الفلسطينيين العرب «داخل اسرائيل»، لهي المعبر الحقيقي لنهجه القادم، أو ليس حاز على هذه القوة الانتخابية من الناخبين، إلا وفقاً لبرنامجه المتطرف العنصري.
لذا فإن عدم احترامه الدولة الكبرى الراعية والداعمة والحامية له على كافة الأصعدة، وهنا أعني بالطبع أمريكا فهذا أوجد ردة فعل سياسية أمريكية بالتلويح بإعادة تقييمها للسياسة العامة اتجاه إسرائيل.
إن المصلحة الأمريكية بتقديري يجب أن تعلو على المصلحة الإسرائيلية وقد حان الوقت لأن تنهج السياسة الأمريكية منطق الحق النسبي. وألا تنظر فقط بالعيون الإسرائيلية وتغض النظر عن ان الحق الفلسطيني وضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية، وهذا يتطلب سن قرار من الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع بالعمل على تنفيذ القرارات الدولية بدءاً من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181.
والمطلوب فلسطينياً أن ترص الصفوف والتفكير باستراتيجية جديدة بعيدا عن الاستراتيجية السابقة التي تنص على أن «لا بديل عن المفاوضات الا المفاوضات»، فهذه الاستراتيجية المرفوضة اسرائيلياً، لا بد وان تواجه ببرنامج وطني واستراتيجية تقدم على ممارسة النضال بكافة أشكاله، حتى دحر الاحتلال وإقامة الدولة.
(السبيل 2015-03-25)