دور أبوي لا رعوي للدولة

المدينة نيوز- تنطلق بين الفينة والأخرى دعوات منادية بخروج الدولة من العمل الاقتصادي، تلبية لمتطلبات الاقتصاد المفتوح، وتبدو هذه المطالبات منطقية، وسط توجه الأردن نحو اقتصاد حر منذ أكثر من عقد من الزمان.
المطالبات المتكررة التي تصدر عن وزير أو خبير، ترى أن مساهمة القطاع العام في الاقتصاد ما تزال مرتفعة، وسط تباين في تقديرات مساهمته حيث تتراوح نسبة المساهمة بين 50 و 75 %.
وبالنظر إلى مكونات هذه المساهمة، نجد أن الغالبية العظمى منها تتجه لبنود الرواتب والأجور وفاتورة التقاعد، وهي بنود ثابتة ومن الصعب التخلي عنها أو التخلص منها بسهولة، لان الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب على هذه الخطوة خطيرة جدا، وتداعياتها على البلاد أخطر من سلبيات ارتفاع مساهمة القطاع العام في الاقتصاد.
فآثار التفكير بالتخفيف من أعباء الخزينة تطال آلاف الأسر التي يعمل أربابها في الحكومة، والإقدام على مثل هذه الخطوة يجعل الأمور تفلت من عقالها لدرجة يصعب السيطرة عليها.
فالمس بالأمن الاقتصادي لآلاف الأسر مسألة لا يجوز الاستهانة بها، فهؤلاء سيذودون عن حقهم في العيش، فتخلي الدولة عن دورها الأبوي مرفوض، والمطلوب التخلي عن الدور الرعوي والمنح والهبات التي لا تقدم ولا تؤخر في قدرة المجتمع على التطور والنمو.
إذن التفكير والمناداة بالخروج يجب أن لا يكون اعتباطيا وعشوائيا ولمجرد رفع الصوت وإيجاد مبررات لمشاكل المالية العامة، فعلى من يطالبون بتخلي الدولة عن هذه المساهمة وضع رؤية واقعية وبرنامج واضح للكيفية التي تتخلى فيها عن نشاطها.
خروج الدولة من النشاط الاقتصادي أمر لا مناص منه، وهو بديل مطروح اليوم وغدا وبعد عقد من الزمان، إلا أن إطلاقه يتطلب طرح بدائل مناسبة تقوم بعملية الإحلال مباشرة بتوفير أدوات تأخذ دور الحكومة من دون حدوث خلل أو فراغ كبير.
البديل الأهم يتمثل بإيجاد قطاع خاص قوي قادر على تحمل المسؤولية، كون فعاليات هذا القطاع غير مؤمنة بعد بالدور المطلوب منها، ولا تعي تماما ما يمليه النهج الاقتصادي الذي تتبعه المملكة عليها.
والقائمون على هذه القطاع ورغم شكواهم المتكررة من سطوة الحكومة في الاقتصاد، لم يتخذوا إلى اليوم أي خطوة في سبيل إقناع الحكومة بأنهم قادرون على أخذ مكانها.
القطاع الخاص لم يؤد دوره في العملية الاقتصادية، ودليل ذلك ضعف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لديه، وتواضع أداء رأس المال المحلي في إنشاء مشاريع محلية تنموية قادرة على خلق فرص عمل تناسب إمكانيات الأردنيين وعقليتهم.
فتفضيل الأردنيين للعمل المكتبي، ليس مشكلتهم، وهم لم يقرروا ذلك، بل هو تولد نتيجة الممارسات الرعوية للدولة منذ عقود، ونتج عن إيمان الأسر بأهمية التعليم كسبيل لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
الاقتصاد الذي نريد لا يقوم على برامج المعونة الوطنية، وشبكات الحماية الاجتماعية وسط محدودية الموارد الحكومية، بل نريد اقتصادا قويا معتمدا على ذاته يرتكز على قطاع خاص يتحمل مسؤولياته ويحل محل القطاع العام، فليس من العدل والإنصاف أن نعاقب الناس على عثرات ارتكبتها حكومات متعاقبة.
فلماذا يحاسب المواطن على خطأ لم يقترفه ولم يلعب أي دور فيه؟