كلّ آذار وأنت بشًعْر
تم نشره الأربعاء 10 آذار / مارس 2010 01:21 صباحاً

خيري منصور
المدينة نيوز- في الثالث عشر من كل الشهور ولد ذلك الصبي البهيّ ، بالقرب من جذع سنديانة لم يكن والداه ينتظران منها ذات ربيع ان تتحول الى جيتار.
ومن قال قبيل الوداع: من انا لأخيّب ظن القدر ، كان الادرى بشعاب كرمله حيث المشية الجليلية تشمل حتى العصافير ، كان نحيلا كوتر ، قويا كنهر يشم عن بعد رائحة البحر الذي سيصب فيه ، لهذا جعل من الموت شريكا اليفا بل توأما ليس فقط لانه احب ما كتبه رينر ريلكة عن الموت الذي يولد كالبذرة داخل الثمرة بل لان الموت رقصة تانغو يتعانق فيها الكائن مع الكون على ايقاع موسيقى لا تسمع الا مع البرق.
ذات آذار كهذا ، لكنه لم يكن قد تعرى من نوار اللوز ، طبخنا معا فاصولياء يابسة بمهارة ذكورية تثير سخرية النساء ، وكنا نتفق مسبقا على نمط الحوار ، فالكفتة بالطحينية التي كان يحبها ويحرمني حتى الموت منها تحترق اذا استغرقنا في سجال قصير حول صديق او قصيدة او مدينة او وحشة ، لهذا فالفاصولياء اليابسة تتيح لنا ساعات من الحوار حول إليوت او المتنبي او الكوت الذي كان يقرأه بشغف ، تلك تفاصيل نثرية قد تبدو ادنى من الشعر ، لكنها في الصميم من مساءات كانت ملاذا عندنا يشح الاكسجين وتبلغ النميمة ثمن القلم او ربطة العنق الحريرية او حتى الحذاء،.
سألته ذات ليلة كان القمر البارد الذي لا يحبه مرميا على رصيف السماء ، هل تعتقد ان المسافة بينك وبين من يليك من شعراء العرب تستحق هذا الفارق في الشهرة والاضاءة؟ فاجاب بانه سأل نفسه هذا السؤال مرارا ، وكان لا بد ان تكون قصيدة ما هي الاجابة فكانت.. وهي لاعب نرد.. فالله حظ البني،، اوشك ان اقول بانه من لا يعرفون لفرط ما سمعت وقرأت عنه فقد مزجوا الكبرياء بالخجل ، واحترام الذات بازدراء الاخر ، ونسوا انهم فرطوا بكل ما كان من شأنه ان يؤهلهم لمثل مكانته ، بعد احدى الجوائز الكبرى قال لي أحاول أن أفرح ، لكن الجوائز بعد موتنا تتحول الى أرامل وكذلك اقلامنا التي نحبها ، وبمناسبة الثالث عشر من كل الشهور ، أذكر أنني أهديته زجاجة حبر مونت بلان لقلم يحمل هذا الاسم ، كان يحبه ويمدده على المكتب كطفل ، لأن من باعه اياه أوصاه بذلك كي يطول عمر القلم ويظل الحبر فيه متوازناً كالدم.
كانت الزجاجة أشبه بحذاء زجاجي لامرأة ، وفرح بها مرّتَين ، مرّة لأنها ليست عطراً كما يفعل الآخرون والأخريات ، ومرة لأنها ما تحول الى أنساغ ودم في كتابه الآسر في حضرة الغياب.
لا أعرف الآن مصير ذلك القلم أو مصير تلك اليد الخشبية الرشيقة التي كانت تجلس باسترخاء على رف مكتبه ، وتوأمها الذي احتفظ به يقطر من أصابعه الدّمع،.
سأستأذن الاثنين معاً ، محمود وماجد ، وأقول لمن أعلن كالسّنونو ربيع المقاومة:
يا حلو من صبّكْ
فرساً من الياقوتْ
يا ليت لي قلبكْ
لأموت حين "تموت"،.
فيا من تبقى من أصدقائه على قيد الحنين ، لا تحتفلوا بذكرى الغسق والرحيل ، بل بذكرى الشّفق وبيوم ميلاد من توأم بين الجليل والخليل.
محمود.. كل آذار وأنت بًشًعْر،،.
ومن قال قبيل الوداع: من انا لأخيّب ظن القدر ، كان الادرى بشعاب كرمله حيث المشية الجليلية تشمل حتى العصافير ، كان نحيلا كوتر ، قويا كنهر يشم عن بعد رائحة البحر الذي سيصب فيه ، لهذا جعل من الموت شريكا اليفا بل توأما ليس فقط لانه احب ما كتبه رينر ريلكة عن الموت الذي يولد كالبذرة داخل الثمرة بل لان الموت رقصة تانغو يتعانق فيها الكائن مع الكون على ايقاع موسيقى لا تسمع الا مع البرق.
ذات آذار كهذا ، لكنه لم يكن قد تعرى من نوار اللوز ، طبخنا معا فاصولياء يابسة بمهارة ذكورية تثير سخرية النساء ، وكنا نتفق مسبقا على نمط الحوار ، فالكفتة بالطحينية التي كان يحبها ويحرمني حتى الموت منها تحترق اذا استغرقنا في سجال قصير حول صديق او قصيدة او مدينة او وحشة ، لهذا فالفاصولياء اليابسة تتيح لنا ساعات من الحوار حول إليوت او المتنبي او الكوت الذي كان يقرأه بشغف ، تلك تفاصيل نثرية قد تبدو ادنى من الشعر ، لكنها في الصميم من مساءات كانت ملاذا عندنا يشح الاكسجين وتبلغ النميمة ثمن القلم او ربطة العنق الحريرية او حتى الحذاء،.
سألته ذات ليلة كان القمر البارد الذي لا يحبه مرميا على رصيف السماء ، هل تعتقد ان المسافة بينك وبين من يليك من شعراء العرب تستحق هذا الفارق في الشهرة والاضاءة؟ فاجاب بانه سأل نفسه هذا السؤال مرارا ، وكان لا بد ان تكون قصيدة ما هي الاجابة فكانت.. وهي لاعب نرد.. فالله حظ البني،، اوشك ان اقول بانه من لا يعرفون لفرط ما سمعت وقرأت عنه فقد مزجوا الكبرياء بالخجل ، واحترام الذات بازدراء الاخر ، ونسوا انهم فرطوا بكل ما كان من شأنه ان يؤهلهم لمثل مكانته ، بعد احدى الجوائز الكبرى قال لي أحاول أن أفرح ، لكن الجوائز بعد موتنا تتحول الى أرامل وكذلك اقلامنا التي نحبها ، وبمناسبة الثالث عشر من كل الشهور ، أذكر أنني أهديته زجاجة حبر مونت بلان لقلم يحمل هذا الاسم ، كان يحبه ويمدده على المكتب كطفل ، لأن من باعه اياه أوصاه بذلك كي يطول عمر القلم ويظل الحبر فيه متوازناً كالدم.
كانت الزجاجة أشبه بحذاء زجاجي لامرأة ، وفرح بها مرّتَين ، مرّة لأنها ليست عطراً كما يفعل الآخرون والأخريات ، ومرة لأنها ما تحول الى أنساغ ودم في كتابه الآسر في حضرة الغياب.
لا أعرف الآن مصير ذلك القلم أو مصير تلك اليد الخشبية الرشيقة التي كانت تجلس باسترخاء على رف مكتبه ، وتوأمها الذي احتفظ به يقطر من أصابعه الدّمع،.
سأستأذن الاثنين معاً ، محمود وماجد ، وأقول لمن أعلن كالسّنونو ربيع المقاومة:
يا حلو من صبّكْ
فرساً من الياقوتْ
يا ليت لي قلبكْ
لأموت حين "تموت"،.
فيا من تبقى من أصدقائه على قيد الحنين ، لا تحتفلوا بذكرى الغسق والرحيل ، بل بذكرى الشّفق وبيوم ميلاد من توأم بين الجليل والخليل.
محمود.. كل آذار وأنت بًشًعْر،،.