الاحتفالات بيوم الأرض

تم نشره الثلاثاء 31st آذار / مارس 2015 02:52 صباحاً
الاحتفالات بيوم الأرض
د.رحيل محمد غرايبة

منذ ما يقارب الأربعين عاماً ونحن نحتفل بيوم الأرض، ففي كل عام يذهب فريق منا إلى تدبيج المقالات البليغة، ومنا من يصدر البيانات القوية، ومنا من يعمد إلى تسيير المظاهرات والمسيرات الغاضبة، ومنا من يعمد إلى عقد المهرجانات وإلقاء الخطابات النارية، والهادئون قيليلاً يذهبون إلى عقد ندوات سياسية وتحليلية، وبعضنا يصرف مزيداً من الوقت من أجل عقد نشاط يليق بهذه المناسبة الوطنية الكبيرة، فيعمد إلى إقامة معرض شامل يحتوي على عدة زوايا بعضها مختص بالمطرزات والتراثيات، وبعضها بالأزياء الفلكلورية والأكلات الشعبية، والرقصات والدبكات الوطنية.
أما العدو «الاسرائيلي» فيحتفل بطريقة مختلفة، فيعمد إلى إنشاء مستعمرات جديدة، أو تضخيم المستعمرات القائمة، ويعمد إلى مصادرة كميات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وهدم قرى ومبان فلسطينية بحجة عدم ترخيصها، والذهاب إلى الاستيلاء على المباني القديمة وتحويلها إلى تراث يهودي، أو إغراء أصحاب المنازل ببيعها بأسعار خيالية، وممارسة الضغط ووضع الضرائب الباهظة على من يمتنع عن البيع أو تدبير المكائد، أو استيلاء المستوطنين المتعصبين على منازل الفلسطينيين بالاغتصاب والقوة، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فتحتفل «اسرائيل» باستقدام المهاجرين اليهود من كل دول العالم وإغرائهم بالقدوم إلى (أرض الميعاد)، عن طريق تأمين المنازل الجديدة في المستوطنات القائمة، مقابل العمل على تهجير أهل الأرض إمّا طوعاً أو كرهاً.
أما احتفال العدو الأكثر مرارة فيتمثل بالعمل على الاستثمار في حالة الضعف العربي عن طريق النفخ في عوامل الفرقة والتفسيخ، وزيادة حدة التطاحن الداخلي وإثارة النزاعات العنفية بين مكونات المجتمعات العربية بالتعاون مع أصدقائها من دول العالم الكبرى والصغرى، والتعاون مع بعض الأعراب المنسجمين مع مخططاتها بعيدة المدى التي تهدف إلى زيادة قوة «اسرائيل» السياسية والعسكرية والاقتصادية، وزيادة الفجوة في موازين القوى بينها وبين الدول العربية مجتمعة، والعمل على تحطيم الجيوش العربية واضعافها وإشغالها في معارك داخلية، وهذا ما حدث مع الجيش العراقي والسوري والمصري، وسوف يحدث تباعاً مع بقية الجيوش العربية الأخرى.
شتان بين احتفال واحتفال من حيث الشكل ومن حيث المضمون والأهداف والغايات والآثار والتخطيط والنظرة الاستراتيجية، فنحن نعمد إلى القشور والشكليات وتفريغ الشحنات العاطفية وتبديد الجهود في مسائل صغيرة موغلة بالسذاجة والسطحية وقصر النظر.
ربما يكون هناك بعض الفوائد التي تترتب على مثل هذه الأنشطة المكررة في كل عام من مهرجانات ومعارض واصدارات، ولكن الضرر الكبير يتمثل في اعتبارها بديلاً يغني عن الإعداد الحقيقي للمواجهة والاستعداد لمعركة التحرير القادمة، والضرر الأكبر منه عندما يتحول الجهاد إلى تبديد الطاقات على هذا النحو وممارسة إقناع الضمير الداخلي بالبديل عن الجهاد الحقيقي والإعداد الحقيقي.
لقد نجح العدو الخبيث في صرف عداوة العرب والفلسطينيين إلى خارج دائرة العدو الصهيوني، وإشغال جميع الأطراف في معارك جانبية أخرى بعيدة عن ساحته، عن طريق ايجاد البدائل المقنعة لخصومهم على كل الأصعدة وفي كل المستويات، وصدق الله العظيم القائل : (وفيكم سمّاعون لهم).
لقد نجح العدو في جعل النقد الحزبي والسياسي للسلطة الحاكمة عندهم أمراً مشروعاً ومقبولاً وضرورياً، بينما نحن ما زلنا نرى النقد الداخلي مؤامرة وخيانة ونشراً للغسيل، وتعاملاً مع الأجهزة الاستخبارية العالمية، ولذلك لا نجرؤ على ممارسة النقد لمشاريع المقاومة والتحرير، أو توجيه السؤال أين نحن وإلى أين المسير، وهل هناك تقليص للفجوة في موازين القوى بيننا وبين العدو في كل عام، وربما ينبري للإجابة من يسهم في مزيد من حالة التخدير والبلادة الذهنية التي استمرت عقوداً متتالية من الزمن، ونحن نسير من سيء إلى أسوأ، ولا نملك شجاعة الاعتراف بالفشل.

(الدستور 2015-03-31)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات