هل هناك شيء لا يختلف عليه اللبنانيون؟

المدينة نيوز- قبل سنوات طلع رجل أعمال سويسري ذكي، أو محتال، بفكرة تريح أعصاب رجال الأعمال مثله الذين يعانون من ضغوط العمل اليومية ومن توترات وقلق يرافق كل قرار. وهو اقترح الصراخ حلاً فيصعد رجل الأعمال المضطهد الى الجبل ويصرخ في الوادي حتى يبح صوته أو يضيع، ويعود الى جنيف أو زوريخ ليواصل عمله.
أعتقد أن اللبنانيين في حاجة الى مثل هذا الحل، فعندهم من مشاكل الحياة اليومية أضعاف ما عند السويسريين، وعندهم فوق ذلك شبح حرب لا يتحرك مع الضوء، وإنما هو جاثم على العقول والنفوس في أخطر منطقة من العالم.
كما أن مقابل كل طلعة هناك نزلة، فمقابل كل جبل هناك وادٍ، وجبال لبنان أشهر، إلا أنني أعرف وديانه وأستطيع أن آخذ الراغب ليصرخ في وادي الجماجم، وهو بين بكفيا وبسكنتا، ولا بد أن وراء اسمه أسطورة، أو وادي قاديشا بشقيه: وادي قزحيا ووادي قنوبين، أو وادي لامارتين الذي يجمع مع الجمال خلفية شعرية بعد أن تغنّى به الشاعر الفرنسي. ولمعلومات القارئ فهناك وادي كفرحتى في اقليم التفاح، وسكان المنطقة يسمونه وادي جهنم لعمقه حتى لا يكاد الواقف فوق أن يرى قعره.
لم أكن في نية الحديث عن الصراخ علاجاً وإنما كنت أراجع الجدل حول قانون الانتخابات البلدية، وقبل أن أسمع ما يفيد رغم أنني شاورت «الخبراء»، أي الأصدقاء من قهوة النشاط، وقبل أن أكوّن رأياً، كنت قد انتقلت الى طاولة الحوار.
هل هناك شيء لا يختلف عليه اللبنانيون؟ في الأيام الأخيرة فقط هم اختلفوا على اقتراح إلغاء الطائفية السياسية، وعلى التمثيل النسبي، وعلى تقسيم بيروت بلديات، وعلى الانتخابات البلدية والإصلاحات المقترحة التي حولت على مجلس النواب، ما يطرح احتمال تأخير الانتخابات مع إصرار فريق على إجرائها في موعدها. وكان هناك اقتراح خفض سن الاقتراع الى 18 سنة، ما يخفض نسبة الناخبين المسيحيين، فقام من اقترح اعطاء المغتربين حق الاقتراع، أملاً بوجود غالبية مارونية بينهم.
وجدت النقاط السابقة خلافية كلها وهي معقدة أصلاً، ولا أرى حلاً لها، وليس عندي حل، فانتقلت الى طاولة الحوار، وأنا أذكر أن الجولة الأولى كانت في آذار (مارس) 2006، والثانية في حزيران (يونيو 2009)، واحترت هل نحن أمام جولة ثالثة، أم اننا نستأنف الثانية.
الخلاف حول الحوار بدأ قبل أن يجلس أحد حول الطاولة، وكان عن المشاركين، أو الذين غابوا أو غيبوا أو نالوا تمثيلاً محدوداً يرون أنهم يستحقون أكثر منه. طبعاً لو أن كل لبناني نال ما يعتقد أنه حقه لضاق الشرق الأوسط كله بحقوق اللبنانيين.
حزب الله حسم النقاش (هل أقول أجهض النقاش) قبل أن يبدأ، فهو قال إن سلاح المقاومة ليس بنداً على جدول الأعمال مع أن البند الوحيد المسجل هو الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، إلا إذا ارتأى المجتمعون اضافة بنود أخرى.
أكتب كمواطن وأقول إن الأمر الوحيد المحسوم عندي هو أنني أؤيد حزب الله ضد اسرائيل من دون سؤال، إلا أنني أرجو ألا يتناقض هذا أو يتعارض مع تأييدي الدولة وحكم القانون، وثقتي بالرئيس ميشال سليمان وحكمته وبعده (أو قربه) بالتساوي من جميع الفرقاء السياسيين في البلد. والحل الأمثل هو أن يوضع مقاتلو حزب الله وسلاحه تحت مظلة الجيش الوطني، إلا أن هذا عنوان، والشيطان في التفاصيل ولا أجد الاتفاق ممكناً على أي صيغة عبر طاولة الحوار.
وفي حين أريد أن يبحث المتحاورون في السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها بهدف إنهاء هذه الظاهرة، فإنني أخشى أن تنتهي طاولة الحوار بأمر هو الأقل أهمية في نظري، أي في عودة غير مباشرة الى الحرب الأهلية، مع تحميل سمير جعجع المسؤولية عنها، كأنه الميليشياوي الوحيد في البلد. هو مسؤول قطعاً، ودوره رهيب، إلا أنه ليس مسؤولاً وحده، فهناك على طاولة الحوار متّهمون آخرون. ثم أخشى أن يزيد الضغط عليه واستفراده من شعبيته بين المسيحيين ولعله فعل.
الحوار المطروح هروب الى الأمام، فلبنان يواجه أخطاراً حقيقية، وإلى جنوبه دولة محتلة تقودها حكومة فاشستية متطرفة تبحث عن سبب للقتل والــتدمير، أو كما تقول صحفها لإعادة لبنان الى العصر الحجري. واتفاق اللبنانــيين جميعاً لا يلغي الخطر، وإنما يجعل لبنان في وضع أفضل لمواجـــهته. ويكفي أن نفكر بما ينتظر البلد إذا تعرضت سفارة اسرائيلية في عاصمة ما الى هجوم، وهل يتكرر سيناريو محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف في لندن سنة 1982.
أرغوف أصيب في 3/9 والهجوم على لبنان بدأ في 6/9، أي أنه كان معداً وبانتظار إشارة البدء. وهو أيضاً جاهز اليوم وينتظر شرارة لإطلاقه، واللبنانيون لا يتفقون على شيء، فلا يبقى سوى أن يصرخوا معي في وادي الجماجم، طالما أن وادي جهنم قريب من الحدود ولا نريد أن يفرحوا بمعاناتنا، بعضاً مع بعض، أو ضد بعض.