وجهان لامّة واحدة..!

تم نشره الخميس 02nd نيسان / أبريل 2015 01:49 صباحاً
وجهان لامّة واحدة..!
حسين الرواشدة

ما اروع هذا المشهد الذي تبثه الفضائيات يوميا لالآف المسلمين المصلين والطائفين حول الكعبة المشرفة،وما احوجنا الى التأمل في هذه الصورة التي ينفرد بها الاسلام دون غيره،وما اكثرمافيها من دلالات تعيد الينا الامل والتفاؤل بأمتنا..وبقدرتها على الاحتشاد والنهوض حتى لو كانت في اسوأ ظروف ضعفها وتفككها وهوانها على نفسها وعلى الاخرين.
لكن،من يصدق بأن هؤلاء البشر الذين ضاقت بهم ساحات الحرم وباحات المساجد وتبللت وجوههم بالدموع،وارتفعت اكفهم بالدعاء،وزهدوا في كل شيء لتلبية نداء خالقهم وعمارة آخرتهم..من يصدق بأنهم ينتسبون لامة يتناحر ابناؤها باسم الطائفة والمذهب، لامة استقالت من وظيفتها الانسانية،واستكانت للمهانة واليأس،وودعت قطار الحضارة او ادرجت في آخر عرباته،ومن يصدق بأن هذا الاحتشاد الذي يزخر بقوة الايمان ،ويفيض بمفاهيم التحرر من الضيم والذل ،وقيم الاستعلاء بالله تعالى لا يستطيع ان يصنع المعجزات او ان يجعل من امتنا قوة موحدة يحسب لها الف حساب..بدل ان تكون- كما هي عليه اليوم - ممزقة ومهمشة ومستهدفة ومكسورة الجناح.
ويا لها من مفارقة،فهؤلاء الذين ازدحموا على عتبات بيوت الله،وخرجوا لطاعته سبحانه،لم يفكروا الا بعمارة الآخرة،وكأن التكليف الرباني بأقامة هذه العمارة لا يرتكز اساسا الى عمارة الدنيا ولا يعتمد عليها ..وحسبك ان تلتفت الى ما يقال عن نعي الامة او موت الشارع،او غير ذلك من المشاهد التي تلخص وتشخص فتور المسلمين اوفجورهم اوصمتهم لتدرك بأن هذه القوة وهذا الحضور الذي تراه في مواسم العبادات والفروض يكاد يتلاشى تماما في الواقع ،وكأن الاسلام الذي استطاع ان يوحد ويحرك ويحشد ينتهي مفعوله اذا ما تعلق الامربالدنيا وما فيها من قضايا الانسان والاوطان ورد العدوان والخروج من التخلف الى التقدم ..ومن الهوان والظلم الى العدل والحرية والمساواة.
لا استطيع ان اكتم سعادتي بهذه المشاهد الايمانية التي تبرزها ليلة واحدة مثل ليلة القدر في شهر رمضان ،او ايام كايام الحج والعمرة،الا ان ثمة غصة لا تفارقني ،وتثير داخلي اكثر من سؤال:اليس بوسعنا ان نستثمر هذه الطاقة الرهيبة في مجالات عمارة الدنيا،اقصد الدنيا التي تليق بمكانة امتنا ودورها الانساني وريادتها الحضارية،كما نستثمرها في الحث على عمارة الآخرة ؟ ومن قال ان العمارتين منفصلتان او ان احداهما لا تمر عبر الاخرى؟ ثم اليس بوسع شوارعنا الاسلامية التي تعتصر مرارة القتل والركون والخوف وتؤثر الصمت والانزواء مع كل حدث يمر بامتنا ان تحتشد على هذه الصورة، كما تحتشد قوى العالم للمطالبة بحقوقها او للتعبير عن ارادتها ،او-حتى- للاحتجاج نيابة عنا عما يرتكب ضدنا من عسف وظلم وانتهاكات.
اكاد اجزم أن الفصام النكد بين الدين والدنيا الذي تكرس في ذاتنا واوهم عقلنا المسلم بأن الدنيا لا تستحق منا الاحتشاد ولا العمل والكفاح والتضحية،وبان الدين يجب ان يظل حبيس المساجد والصدور، هو السر الوحيد الذي يفك لغز التخلف الذي نعانيه والكسل والثبوط الذي جعل ‘’الحزن’’ شعارا للمسلم، والكدود عنوانا له والخوف من دفع الثمن لافتة يهرب اليها.،ظنا منه ان المظلومين والمتنازلين عن حقوقهم سيجدون جزاءهم في الآخرة،او انهم معذورون عن الدفاع عن انفسهم واخذ نصيبهم من الدنيا،وهو خطأ كبير نحمله -يا للاسف-ديننا،مع انه منه براء.
نتمنى ان يكون مجرد خطأ في الفهم ولكننا نستحضره اليوم ونحن نشاهد هذه الملايين التي تجردت من دنياها لتدعو الله تعالى النصر والفرج .. لنقول لها :ان ثمة واجبا آخر وفريضة اخرى تنتظرنا في الدنيا وتستحق مثل هذا الاحتشاد والزهد والتجرد ،وهي تمكين امتنا من الوحدة والتقدم والحضور والدفاع عن حقوقها المغتصبة وانسانها الذي يشعر بالذل والمهانة والاحباط..انسانها الذي يصرخ منذ عشرات السنين:وين الملايين...؟؟

(الدستور 2015-04-02)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات