بين «أفاتار» و«خزانة الألم» .. !!

بعد منافسة واضحة ، انتصر فيلم "خزانة الألم" على فيلم "أفاتار" ، وحاز جائزة الأوسكار لأفضل فيلم ، ومخرجته "كاثرين بيجلو" بجائزة أفضل إخراج ، الأمر الذي طرح أسئلة جوهرية بخصوص آليات التحكيم ، والتي تذكّر بدورها بعدد لا يحصى من الحالات السابقة التي فازت فيها أفلام بسبب مجاملتها لليهود في قضية المحرقة ، تماما كما كان الحال في قضية جائزة نوبل للأدب التي كرمت عددا كبيرا من الكتاب تبعا لكونهم يهودا ، أو لانحيازهم للهواجس اليهودية.
من الزاوية الفنية ، وكذلك من زاوية المضمون كان "أفاتار" أفضل بكثير ، وهذا كلام عدد من النقاد ، أقله مقارنة بالفيلم الفائز ، لاسيما أنه كان نقلة رهيبة في عالم الفن السابع ، لكن ما يعنينا هنا هو البعد الفكري والسياسي الذي تنطوي عليه أحداث الفيلمين.
في "أفاتار" إدانة للعدوان وعولمة الثقافة والقيم بالقوة ، وقد كان بوسع العراقيين أن يروا أنفسهم في الكوكب الذي تغزوه القوة الأمريكية في الفيلم "كوكب باندورا" ، وكذلك حال الفلسطينيين والأفغان ، والنهاية أن الانتصار يكون من نصيب الشعب المقاوم ، بينما يُهزم المعتدون.
في "خزانة الألم" ، ثمة تمجيد استثنائي للغزاة ، وحين تهدي مخرجة الفيلم الجائزة للجنود الأمريكيين في العراق ، فهذا يعني انحيازها لبطولتهم وإنسانيتهم ، مع أنهم جزء من غزاة جاءوا من أقاصي الأرض من أجل أهداف لا علاقة لها بالقيم النبيلة ، حتى لو رفعوها كشعارات للغزو.
الجنود الثلاثة أبطال الفيلم ، وهم جنود في وحدة تفكيك المتفجرات يظهرون بمظهر الأبطال ، بينما يظهر المقاومون بوصفهم مجرمين وإرهابيين ، أما الشعب العراقي بمعاناته وموته وعذابه فلا أهمية له في السياق ، وحين يحضر تكون صورته بائسة.
صحيح أن البُعد الإنساني لحالة الجنود في مهمة من هذا النوع يبدو مادة خصبة لفيلم أو رواية ، ولكن المشهد لم يكن واقعيا أيضا ، إذ أظهرهم أبطالا ، الأمر الذي أنكره حتى بعض الجنود الأمريكيين ممن اعترفوا أنهم كانوا في حالة خوف دائم ، لاسيما أن الفيلم يتحدث عن وقائع العام 2004 عندما كانت المقاومة في وضع جيد ، وكانت المتفجرات تصطاد الآليات الأمريكية من شارع إلى شارع.
واللافت أن الجنود لم يسألوا أنفسهم لماذا هم هنا ، باستثناء لقطة باهتة يطرح فيها أحدهم ذات السؤال ، فيما كان ينبغي التركيز على هذا البعد بشكل أساسي وليس هامشيا. وإذا كان أوباما نفسه قد رأى في حرب العراق حرب اختيار ، فلماذا يكون على الجنود أن يروها حربا تدافع عن الأمن القومي الأمريكي وعن الإنسان الأمريكي؟،
من هنا لا يبدو من الغريب أن يذهب البعض حد الحديث عن دور رسمي أمريكي (البنتاغون تحديدا) في الدفع في اتجاه فوز هذا الفيلم على وجه التحديد ، وذلك لأنه يرفع معنويات الجنود ، بل ويشجّع الشبان الأمريكيين على الانخراط في صفوف الجيش ، لاسيما بعد تراجع إقبالهم عليه خلال السنوات الأخيرة ، وبالطبع إثر المغامرات غير المبررة التي خاضها بوش في العراق وأفغانستان.
والخلاصة أن "أفاتار" كان انتصارا لمنطق الإنسانية ضد العدوان ، وضد فرض القيم بالقوة ، بينما كان التمجيد في "خزانة الألم" من نصيب الغزاة وأدواتهم (الجنود) ، أما البشر الذين وقعوا أسرى العدوان ودفعوا ثمن مغامرته من دمائهم ودماء أبنائهم ، فقد غابوا تماما عن وعي الكاتب والمخرجة.
إنه انتصار من الفن لمنطق العدوان ، بل هو بتعبير أدق انتصار لمنطق أمريكا نفسها التي لم ولن تتخلى في المدى القريب عن روحها الإمبريالية التي لا ترى في الآخرين سوى أدوات لتحقيق مصلحتها ومصلحة سكانها ، اللهم إلا فيما خص الدولة العبرية التي قد تتقدم مصلحتها على مصلحة أمريكا نفسها تبعا لسيطرة أتباعها على القرار السياسي ، وربما الثقافي الأمريكي أيضا.