أشجان بَهْلوّية!!

المدينة نيوز- من ربيعها الامبراطوري الى خريفها في المنفى ذلك اول شجن يقرأه من شاهد الحوار المتلفز مع فرح بهلوي زوجة شاه ايران ، فقد حملت هذه المرأة جثة الامبراطور الأخير وطافت بها بحثا عن قبر ، وانتهى بها المقام في القاهرة ايام السادات ، وما قالته السيدة فرح والامبراطورة السابقة عن ابنها رضا واحلامه في العودة الى طهران اضافة الى ما تتلقاه من رسائل عبر الانترنت ، يجعل المشاهد متردداً في استخدام الموعظة الشهيرة "ارحموا عزيز قوم ذل" ، فهي ترفض ان تكون مجرد ارملة لامبراطور مخلوع ، وتسخر من جهل بعض الامريكيين بحيث تصور أحدهم ذات يوم انها زوجة الامام الخميني كما قالت.
أما لماذا قلبت واشنطن للشاه ظهر المجن فان اجابة فرح بهلوي تبدو صادقة.. اذ قالت بأنه لم يقبل ان يكون خادماً لمصالح الولايات المتحدة ، منذ اطلق عبارته الشهيرة عن عصيانه للعيون الزرق ، والامبراطورة الارملة التي اختفت كل تلك العقود ، ظهرت مؤخراً لتقرأ احداث الشغب في طهران وفق منظارها الشاهنشاهي ، فالثورة كانت خطيئة بحق ايران كما تقول ، والمشاكل الداخلية كان يمكن حلها سلمياً ، لكن التاريخ قلما يعبأ بالدموع حتى لو انهمرت من عينيه لم يذهب الزمن وعوامل التعرية بجمالهما القديم فما حدث قد حدث ، وامريكا التي تتخلى سريعاً عن الشاهات والبينوشيهات لا تقيم وزناً للعواطف ، لأن البرغماتية هي الاسم الآخر للولايات المتحدة ، وحين تجد ان حلفاءها فقدوا صلاحيتهم ترميهم كالنّوى بحيث لا يجدون حتى منفى يلوذون به،.
وحين تتحدث أرامل الزعماء خصوصاً اذا كان رحيلهم تراجيديا فان ما يجتذبهم للحديث هو الجوانب الانسانية ما دامت السياسة ليست في صالحهن ، اذ يتعذر الدفاع عن مراحل طواها التاريخ بما لها وما عليها وقد يكون ما عليها أضعاف ما لها ، ومن يغادرون المسرح السياسي يجدون على الأغلب بابا آخر مفتوحاً لهم على مصراعيه ، هو باب المذكرات التي غالباً ما تعيد اتباع الوقائع ، او باب المسرح الدرامي ، فالمؤلفون ينتهون الى أبطال واحيانا الى كومبارس على خشبة لها تقاليد بالغة الصرامة ، ويسميها المسرحيون خشبة القسوة ، وهو تعبير ينسب الى انطوان آرتو ، ويبدو ان ذلك العام 1979 كان حاسماً في النصف الثاني من القرن العشرين لانه شهد أهم الأحداث في العالم ومنها ثورة ايران وبداية تعبيد الطريق الوعر بين واشنطن وبكين ومعاهدة كامب ديفيد في حصادها البكر وتقارير وولفويتس مما يجب فعله في العراق بعد ثلاثين عاماً من ذلك العام ، ولا يشبه عام 1979 الا عام 1949 الذي اختتم به العالم النصف الاول من القرن العشرين ، او ما يسميه المؤرخون القرن الغاشم واقصر قرون التاريخ لانه كان اقل من ثمانين عاماً اذ بدأ مع الحرب العالمية الاولى وانتهى مع الحرب الباردة ، والمقارنة بين شاهات العالم المعاصر وبينوشيهاته نسبة الى بينوشيه تستدعي على الفور الوجه الآخر للتاريخ ، وهو مانديلات هذا العصر رغم قلة عددهم ، فثمة من يمشي على قدميه حتى لو تعثر طويلا وادمى الطريق ركبتيه ، وثمة من يعبر من اوسع البوابات متكئا على عكازين ، وحين تكون العكازات من طراز تلك التي استخدمها الامبراطور الاخير ، فان التخلي والخذلان يصبحان امراً عادياً بالنسبة للبرغماتي المحترف. وللحظة احسست بان السيدة فرح بهلوي بما يعلو ملامحها من اشجان ، شجن بهلوي بامتياز،.