التدخل الخارجي غير ممكن من دون عملاء

كتبت في هذه الزاوية يوم إجراء الانتخابات النيابية العراقية ان النتيجة الوحيدة المضمونة هي ان الخاسر سيتهم الفائز بتزوير النتائج، وهذا ما حدث فعلاً، فرئيس الوزراء السابق أياد علاوي وحلفاؤه في قائمة "العراقية" يزعمون ان أوراق اقتراع تؤيدهم أهملت أو أتلفت، وأن صناديق اقتراع عثر عليها ملقاة في الخارج، وأن 250 ألف عسكري حُرموا حقهم في الاقتراع. بل ان الائتلاف الوطني شكا بدوره من عمليات تزوير.
كان توقعي تهم التزوير سهلاً، فهو من سمات العالم الثالث كله، لا العراق أو الدول العربية الأخرى فقط. غير ان توقع تشكيلة الحكومة التي ستفرزها الانتخابات أصعب. فالنتائج متقاربة بين القوائم المتنافسة، والحكومة الجديدة ستكون ائتلافية كالحالية، ما يعني أشهراً من المساومة بعقلية البازار.
النتائج الأولية تشير الى تقدم "قائمة دولة القانون" التي يرأسها رئيس الوزراء نوري المالكي وبعدها "الائتلاف الوطني العراقي" الذي يضم المجلس الأعلى والصدريين مع تيار الإصلاح الذي يرأسه ابراهيم الجعفري. ثم هناك الأحزاب الكردية التي تتقاسم كردستان العراق، وهي تصوت في البرلمان كتلة واحدة.
حتى الآن لا مفاجأة، فالشيعة غالبية في العراق، وقد تقاسمت القائمتان الشيعيتان الأصوات بعد فرز حوالى 80 في المئة منها، وسجل الصدريون افضل نتائج لهم في بغداد، خصوصاً في مدينة الصدر الفقيرة التي تعتبر قاعدتهم. والواقع ان بغداد أهم محافظة انتخابية، ففيها أعضاء من كل الطوائف والإثنيات، وهناك ستة ملايين نسمة، ويتوقع ان تظهر النتائج النهائية ان قائمة المالكي فازت بنسبة كبيرة من الناخبين في العاصمة، فيما حقق "الائتلاف" نتائج افضل في المحافظات الجنوبية الشيعية.
التعقيدات تبدأ بعد كل ما سبق، فالمالكي يصر على رئاسة الوزارة في أي تحالف، والتحالف المنطقي هو بين القائمتين الشيعيتين والأكراد، غير ان رئيس الوزراء له أعداء بقدر ما عنده من أنصار، ودول عربية كثيرة لا تريده، كما ان الصدريين يعتبرونه خذلهم أو خدعهم، وحتى خانهم، بعد ان ساعدوه في الوصول الى الحكم قبل أربع سنوات ثم تخلى عنهم وحاربهم. وربما كان المجلس الأعلى يريد وجهاً جديداً في رئاسة الوزارة، وقد طُرِح اسم علي الأديب الرجل الثاني في حزب الدعوة بعد المالكي، إلا انه ضعيف، ولعل سبب تردد اسمه هو إغاظة المالكي اكثر منه طرحاً جدياً.
والمالكي يواجه صعوبات مع الأكراد، فهم غاضبون لأن رئيس الوزراء خذلهم في قضايا كثيرة لها علاقة بعمله لمركزية الحكم، وبإنتاج النفط وتقاسم دخله، وأيضاً كركوك التي يطالب بها الأكراد، مع إصرار التركمان على انها مدينتهم وتأييد تركيا لهم.
يظل المالكي أقوى اللاعبين والمرشح الأول لرئاسة الوزارة الجديدة، إلا ان هذا لا ينفي احتمال تكتل خصومه ضده، والاتفاق مع الدكتور علاوي، او القبول برئيس وزراء يرشحه رئيس "العراقية".
الحكومة الجديدة لن تشكل بعد أسبوع أو شهر، فالخبراء يرجحون ان تستغرق المفاوضات والمناورات والمساومات شهرين على أقل تقدير وربما أربعة اشهر أو خمسة. وفي غضون ذلك تستمر وزارة المالكي في الحكم لتصريف الأعمال.
وفي حين لا أجزم بشيء في موضوع التشكيلة الحكومية القادمة، فإنني أتوقع ان تكون ضعيفة لأن الخلافات بين السياسيين العراقيين عميقة، وحتى لو استطاع فريقان أو ثلاثة تجاوزها لتشكيل حكومة يتقاسمون عبرها المنافع، فإن الخلافات ستعود لتطفو على السطح بين حين وآخر.
والخطر هنا ان تترجم الخلافات الكامنة إرهاباً، فهو كان محدوداً خلال حملة الانتخابات، إلا ان الإرهابيين يتحينون الفرص، وقد يجدونها مع بدء العد العكسي للانسحاب العسكري الأميركي، وإذا عجز السياسيون العراقيون عن تقديم مصالح الوطن على مصالحهم الشخصية، واستمرت التدخلات الخارجية مع أحزاب معينة وشخصيات.
طبعاً لا أسهل من اتهام دول خارجية أو مصالح بتخريب سير العراق على طريق الديموقراطية، إلا ان التدخل الخارجي غير ممكن من دون ان يكون له أعوان وعملاء في الداخل، وهكذا فالعراقي الذي يتهم الآخرين، عليه ان ينظر الى نفسه أولاً إذا أراد فعلاً الخير لبلده.
شخصياً، لن أختار بين نوري المالكي وأياد علاوي، فالأول حاول جهده نشر سيادة القانون، إلا ان له عداوات كثيرة في الداخل والخارج ونصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام. أما علاوي فيقود تحالفاً علمانياً يحتاج إليه العراق للخروج من المحاصصة الطائفية التي أوقعه بها الأميركيون، إلا انه حصل على أصوات السنّة في بلد غالبيته شيعية ويفترض ان يكون الحكم للغالبية.
كل ما أرجو هو ان يَرشُد أهل الحكم في العراق وأن يرأف الله بالشعب العراقي فقد عانى ما يكفي ويزيد.
khazen@alhayat.com