"لقاء بايدين": هل تذكرون الحملة على رحيِّل غرايبة!

المدينة نيوز- الرئيس أوباما تحدّث في تركيا ومصر أمام الجامعات والمجتمع المدني، ولم يعترض أحد، بل كان ذلك موضع ترحيب وحوار ثقافي وإعلامي طويل لاحقاً.
وجرت التقاليد المعتبرة على الاحتفاء بالزعماء والقيادات السياسية والسماع منهم في المحافل العلمية والمدنية بين الدول.
أمّا أن تحدث لقاءات مغلقة، يتم التكتّم عليها في السفارات، وتناقش فيها قضايا محلية حسّاسة، فإنّ ذلك يعزّز من سوق الإشاعات والمخاوف من أجندة خارجية، ذات أهداف محدّدة، ويتناقض مع فلسفة المجتمع المدني ودوره ورسالته.
من حيث المبدأ، لم يكن أحد ليمانع لو التقى نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدين، بممثلي المجتمع المدني الأردني في عمان، وفق زيارة رسمية معلنة، تحت الشمس، وبشفافية إعلامية واضحة.
أمّا أن يلتقي الرجل بثلاثٍ من الشخصيات غير الرسمية، في السرّ، ويتم التعتيم على اللقاء والإصرار من قبل السفارة والحضور المحدود على عدم كشف تفاصيله، فإنّ ذلك مدعاة فعلاً للتساؤل عن سيادة الدولة وهيبتها، طالما أنّنا نتحدث اليوم كثيراً عن موضوع الهيبة!
ليس ذلك فحسب، بل هنالك مسؤولون على مستويات رفيعة في الدولة تفاجأوا باللقاء، وكانوا يحاولون معرفة مجرياته، من دون جدوى!
أمامنا رواية وحيدة (إلى الآن) ألمح إليها بعض الزملاء الكتّاب تتمثل في أنّ بعض المحاورين طرحوا مطلب “المحاصصة السياسية” وتغيير قانون الانتخاب على وجه السرعة، بما يخدم هذا الملف، ما حدا بنائب الرئيس إلى التأكيد أنّ هذا الهدف “مشترك”، لكنه غير ممكن حالياً، ويتطلب وقتاً، فيما نفت إحدى المشاركات في اللقاء، إيفا أبو حلاوة لـ (الغد) أن يكون ذلك طُرح جملةً وتفصيلاً.
اللقاء يتزامن مع تصريحات لرئيس وفد المفوضية الأوروبية، الذي أكد ربط المساعدات بالإصلاح السياسي. وشخصياً لست ضد هذا الربط، طالما أنّ المساعدات مرتبطة أصلاً بمصالح مشتركة ومتبادلة أمنياً وسياسياً، لكن السؤال، إصلاح بأي اتجاه ولخدمة من؟ هل لإنهاء ملف اللاجئين ليكون ذلك بمثابة ضمانة لإسرائيل، حتى قبل الحل النهائي ولو على حساب اللُحمة الداخلية والاستقرار الاجتماعي؟!
طبعاً، المسؤولون هنا صامتون، والجهات المعنية لم تحرِّك ساكناً، ولم تتفوّه بكلمة واحدة عن السيادة والتدخل في شؤون الدولة، ولم تُجيَّش حملات إعلامية ضد طبيعة اللقاء السرية وغير الرسمية، كما يحدث عادةً.
ألا يذكِّر ذلك بالحملة التي تعرّض لها د. رحيل غرايبة، القيادي الإسلامي الوطني، عندما تحدّث بمحاضرة رسمية في معهد أميركي معروف عن مشروع الحركة الإصلاحي، تحت الشمس، كيف قامت الدنيا ولم تقعد عليه؟!
مرّةً أخرى، فإنّ المقارنة بين لقاء بايدن في قلب عمّان، وما حدث مع د. غرايبة في واشنطن يعيد طرح سؤالٍ، على درجة عالية من الأهمية والحسّاسية، لماذا يهرب سياسيون وناشطون إلى مراكز تفكير وقرار في دولة عظمى لطرح تصوراتهم ورؤاهم، ويتم الحوار هناك، لا هنا، أو ترسل الآراء في سياق تقارير، تتحوّل لاحقاً إلى أجندات وتوصيات، بينما تغلق أبواب الحوار العقلاني الواقعي الصريح والجريء في الداخل، وتتقطّع أوصال الصلة بين دوائر القرار والفعاليات السياسية والمدنية في الداخل؟
الثيمة الرئيسة تكمن في أنّنا نعاني في الأردن من قطيعة بين المجالات والقطاعات المختلفة، الرسمية وشبه الرسمية، ما يخلق حالة من الهشاشة لدى الدولة في التعامل مع الأطراف الخارجية، ووجود مناطق رخوة واسعة في الفضاء الداخلي اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، ويخلق “أرقاماً صعبة” لدى الأطراف الخارجية، لكنّها في الداخل لا تملك أي وزن يذكر!
للمرّة الألف، تمثّل الأزمة الاقتصادية أولوية ملّحة بلا شك، لكنّ الأزمة السياسية لا تقل خطورة وأهمية، وتتطلب توسيع دوائر الحوار والتفكير لتشمل شرائح وفئات واسعة، وصولاً إلى بناء وصفاتنا الوطنية التوافقية للإصلاح، من خلال حوار عقلاني موضوعي واضح.