المدن والناس والمليارات!

المدينة نيوز- نقرأ الأرقام الفلكية لتكلفة المدينة الكبيرة هنا في الأردن، وفي وطننا العربي، ونتذكر اصرار بروفسور كارل شيلر، على العالم الثالث بالتقليل من الزيادات السكانية في المدن، وكان يقف عند ثلاثمائة ألف نسمة فقط، وإلاّ فإنّ كلفة المدينة الكبيرة في إفريقيا الوسطى ستكون في مستوى كلفة المدينة في أميركا أو ألمانيا أو فرنسا!!. وهذا ما لا تستطيع البلاد الفقيرة احتماله، اجتماعياً قبل أي شيء آخر، ذلك أن تجمع الفقراء في جزء من المدينة سيؤدي إلى اضطراب سياسي وعدم استقرار!!.
نتحدث عن عام 2020!!. فعلى السعوديين حتى ذلك استثمار 80 مليار دولار في توليد الكهرباء، و53 ملياراً لتحلية المياه، و3ر53 مليار في قطاع الصرف الصحي!!. هذه الأرقام هي عملياً كلفة مدن كبرى تنمو في وسط الصحراء كالرياض، ومكة والمدينة والظهران وعنيزة وبريده وتبوك.. أو على شواطئ البحر الأحمر كجدة، أو على الخليج العربي كالخبر والدمام.
عندنا كان من الصعب على المخطط الأردني وضع تصوّر واضح لمدينة عمان العاصمة أو الزرقاء أو إربد في الشمال، فحرب حزيران وضعتنا أمام معادلة سكانية جديدة، ثم جاءت حرب الخليج فصار علينا استيعاب نصف مليون عائد.. هذا إلى جانب أن عدد سكان الأردن يتضاعف كل عشرين سنة!!.
عدم القدرة على استكناه الكوارث السياسية والتحوّط المسبق لها، أدى إلى ضغوط هائلة على الخدمات: الماء والكهرباء والطرق والصرف الصحي والمدارس، ثم جاءت هجرة العراقيين.. ومع انها ليست هجرة دائمة، لكنها تكاد تكون مستقرة.. وهذا خطر جداً لأن الإنسان لا يستطيع العيش دون أن يضرب جذوراً في الأرض!!.
لقد استطاع العاملون في بلديات عمان والزرقاء والرصيفة وإربد بذل مجهودات هائلة تحسب لهم، فرغم الضغوط، وقلة المال، ووضع اللجوء الإنساني الملح.. استوعبت إدارات المدن الزيادة غير المحسوبة في عدد السكان، .. وقدمت لنا ولضيوفنا مدناً نظيفة جميلة طيبة الحياة!!.
أرقام مليارات الدولارات المطلوبة في الماء والكهرباء والصرف الصحي، والشوارع والطرق، هي أرقام مفزعة تجعل الواحد منّا يتساءل من أين سنوفرها؟!..
ونعود إلى تذكر عمان حين كانت في أيامنا ستين ألف نسمة.. وكيف أصبحت سيدة المدن رغم الفقر وقلة المال، ونؤمن أن الرجال الذين أقاموا صروحها هم الآباء فقط.. لا الأجيال، وأن الأبناء قادرون!!.