سريعون الى الهاوية !
ابشع ما في زمن السرعة هو السرعة . سرعة في المشي، سرعة في النوم، في الصحو، في الحب، في الكره، في العمل، في الامل، في الاكل . في البناء، في الهدم . الكل يريد ان يصل ولا يهم الى اين، ما تراه اليوم صحيحا تراه غدا قبيحا، وما يتراءى لك انه الجدار يتضح لك انه الضباب، لا شيء حقيقيا ملموس غير السراب . تصحو سريعا لتلحق بالوقت . تقود سيارتك سريعا لان هناك من يريد ان يسبقك، يزاحمك على فضاء الشارع واتساع الوقت، يلعن الاشارة الحمراء ويود لو يجرفك و يقتلعها، يخجل ان يقود سيارته بهدوء ولا يخجل ان يشتم من بجانبه ومن يتجاوزه وشرطي المرور . اختفت «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة» من على خلفيات الباصات والتاكسيات والصهاريج، اصبحت من مخلفات الماضي وحلت محلها « ان كنت اشطر مني اسبقني « و « أنا الريح ما راح تسبقني استريح «! ولنواكب سرعة الزمن صار لزاما ان نكون حضاريين سريعين، كلٌ موبايله في يمينه لا هو هنا ولا هو هناك ، هواء في هواء في هراء . . ما ان نخرج من البيت حتى نتصل بالبيت، وما ان نصل مكان العمل حتى نتصل ايضا في البيت . وعلى باب مكان العمل نتصل بالمكتب لنبلغ اننا على بعد ثوان .ومن يكترث، فالكذب سيد الاخلاق، والاخلاق في خبر كان و «كان « فعل ماضِ وناقص أيضاً . لسنا وحدنا من يسابق الزمن بهذه الطرق المشوهة لكننا -ربما- الوحيدون الذين نسرع لنتخلف ونركض الى الامام لنعود الى الخلف . ايضا ربما ليس ذنبنا . فالعالم يمر بمرحلة جنون سياسي وعسكري واخلاقي . ثمة من يدفع الارض لتدور سريعا على قرن واحد، دول تسقط برمشة عين، رؤساء يصبحون سجناء، حكام يصبحون مجرمين وسفاحين، وأناس احياء يصبحون امواتا كفرق حساب بين سياسيين . صادق ذاك الذي قال: « اوقفوا هذه الارض اريد ان اهبط «. وبسبب سرعة الارض ومن يقودها الآن، اعني اميركا، لم يعد مضموناً ان تبقى حال على حالها حتى صباح الصباح . فها هي تغير رؤساء و تغير خرائط وتخترع داعش وتقيل علي صالح رئيسا و تعيده مقاتلا شرساً ضد شعبه ، تعادي طهران وتنام معها في ملف واحد ، تقاتل سوريا وتدعم المعارضة . تتعامل مع نظام سوريا بالباطن ..هكذا تتفتت الدول العربية ويتناثر الدم كما فرقعات البوشار في الطنجرة الاميركية . ما الذي يجري ؟ وكيف تسير انظمة عربية الى المقصلة كمن يمشي وهو يحلم وهي تعلم انها أكلت يوم اُكل صدام وعرفات وحتى مبارك والقذافي ؟ كيف تتورط انظمة في تقسيم العراق وسوريا ليبيا حتى بات الوطن العربي كقطعة جبن سويسرية وهي تعلم ان سكين التقسيم قاب انفجارين او ادنى هنا وهناك ؟ كم نحن بؤساء اكثر من بؤساء فيكتور هوغو ، كم نحن دونكيشوتيون اتفه من دونكيشوت، كم نهدم بيوتنا بايدينا وننتظر بيتا في عراء العالم يؤوينا؟!!
(الدستور 2015-04-25)