صباح الخير«يمه»

أيتها الأرض ، لا تدوري ، كي لا نكبر إلا قليلا ، وكي لا ينمو فينا الشوك ، وتزهر فينا القسوة ، فيذبل الحب من بين أيادينا. لا تدوري أيتها الأرض: كي أعود صغيراً يبحث عن أصابع من حرير ، تتغلغل كالمشط في شعري الشلال ، وتسبًّل أحلامي النافرة. فما أجملنا حين نتورط بالحنين.
صباح الخير (يمه)،. صباح الخير أيتها الحياة ، بكل مداها ، فلا عليك إن أرادوا أن يتركوا لك يوماً وحيداً نحتفل به بتصنع وتمثيل ونهديها مزيدا من أواني الطبيخ ، فهذا لا يعنينا بشيء نحن اللاهثين وراء جنة من سلسبيل ، نجد ريحها من مسيرة ألف عام ، تحت أقدام أمهاتنا الطيبات: فيا الله ، امنحني رأساً مرفوعاً وشامخاً ، وجناحاً لا ينخفض إلا لأمي وأبي ذلاً ورحمة ، ما أحييتني يا رب المحبين،.
وعما قليل ستعود بخيالك ، قد كان يوما مختلفا ، إذ تعود من المدرسة ، وترمي كتبك بنزق في حوش الدار ، وتطير للعب مع الأشقياء. ومساءً حين تعود ملطخاً بالطين والخطايا ، فتتلقاك أمك بعقاب لا يؤلم إلاَّ ألماً جميلاً، ، فتتباكى،: لتضمك إلى صدرها على وقع الخفقات المختلجة في الصدر ، وموسيقى لا تنساها أبد الدهر ما زالت تعينك على عثرات الدروب والخطوب: آه أمي،.
ويوم آخر ، إذ تضبطك متلبّساً في مصًّ ولعق فناجين القهوة ، عقب مغادرة الضيوف ، فتمسح عنك شاربيك الزائفين بأصابعها ، وتنهال عليك بالقبلات والضحكات ، وتدعو لك أن تكبر ، وتكبر همتك: لتصير رجلاً بشاربين حقيقيين ، فها كبرنا يا أمي ، فلماذا أثقلتنا هذه الشوارب؟،،.
وها صرت أباً ، فماذا دهاك؟، ، أتودّ لو تأخذ برأسك ، وتزرعه في حجرها وعطرها ، وتهدهدك بتراويد لم تنساها منذ مخدتك الأولى. أتذكر طير الحمام السمين؟، ، إذ تذبحه لك على عتبات النوم بصوتها الرقيق: فينام الحمام ، ووحدك كنت تطير بناعم الريش على جناح الأحلام أيها الولد الحلم،.
فلأجل أمي في عيدها الدائم وردة كبيرة ، ولأجل عينيها وردة لكل نساء العالم،، ، اللواتي جعلن الأرض كوكباً قابلاً للحياة والجب،، ، ووردة على قبر جدتي ، أمي الأولى ، إذ تنقطع الأرجوحة من جذع الزيتونة ، فأسقط على حب ، تلقفني دعواتها بالسلامة والحفظ والأحضان. ووردة لحماتي الرائعة ، الأم الرائعة ، إذ منحتني زوجة رائعة ، وأماً ثانية ، ووردة لطفلتي التي أرى فيها أمومة عارمة عندما تقرأ وجهي بأصابعها المدغدغة. صباح الخير أيتها الحياة الأم.
ramzi279@hotmail.com