إعادة "الهيبة" لملف الفقر

المدينة نيوز- خفت الحديث الرسمي عن الفقر والفقراء خلال الفترة الماضية، وطغت ملفات أكثر حساسية على هذه القضية مثل عجز الموازنة والمديونية.
وربما توفرت للمسؤولين مبرراتهم في إغفال موضوع الفقر وإيلاء اهتمام أكبر بقضايا رقمية مثل نسب النمو والدين والعجز، فهم يرون أن التراجع في هذه المسائل يؤثر على تقييم الأردن في المؤسسات المالية الدولية، وهذا صحيح مائة بالمائة.
إلا أن ما لم يفطنوا إليه، أن الفقر واتساع حجمه أكثر خطورة من الناحية الواقعية، فتزايد أعداد المعوزين، يؤثر في سلسلة الأمن الشامل ويؤثر في ركائز أساسية داخل منظومته، لا سيما الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
ويدفع تراجع التركيز على هذا الملف باتجاه خلق حالة من عدم الرضا والاحتقان، ويولد نفسيات غير مؤمنة بكل ما تقوم به الحكومات من جهود لا يرون أنها تسعى لتحسين مستوى معيشتهم.
وتحرك المعلمين الأخير إنما ينم عن ذلك، ويؤشر بشكل قوي الى أن هذه الشريحة التي طالما عانت من الإهمال وتدني المداخيل وانزلاق مستوى معيشتها، لم تعد تقوى على تحمل السياسات الحكومية ونتائجها.
غضبة المعلمين تعكس حالة عامة تتفشى بين الناس، نتيجة ترسخ القناعات بأن البرامج الاقتصادية والسياسات المطبقة تسعى الى تحقيق منجزات رقمية تشبع طموحات المسؤولين، بينما تبتعد بشكل كبير عن آمال وتطلعات الناس بحياة أفضل.
الشعور بالتهميش لم يخلق فجأة، وليس نتاج الأزمة المالية العالمية التي ألمت بنا منذ عامين فقط، بل هو نتاج برامج التصحيح الاقتصادي والقرارات الحكومية غير المدروسة النتائج، والتي طالما أهملت الجانب الإنساني والأثر الاجتماعي السيئ لها، خصوصا ما يرتبط بالفقر والبطالة.
في الماضي، كنا نقول إن الحديث عن معالجة الفقر والتخفيف من حدته أكثر من الفعل والتطبيق، وكنا نردد أن مئات الملايين التي أنفقت في العقد الماضي لم تحدث فرقا في حياة الفقراء.
الآن الحال اختلف تماما، فالحديث والفعل غابا بشكل كبير.
اليوم، نحن بانتظار نتائج دراسة الفقر والتي تشي المعلومات الأولية بأن معدلاته ارتفعت من 13 % إلى أقل من 14 %، وسط أرقام غير رسمية تؤكد أن ثلثي الأردنيين تحت خط الفقر أو يدورون في فلكه!
في الحديث مع وزير التخطيط والتعاون الدولي جعفر حسان، يظهر أن الوزارة تتجه ضمن خططها إلى إعداد برنامج لمكافحة الفقر، يهدف إلى توحيد جهود 13 مؤسسة تعمل في هذا الحقل، وتسعى الوزارة أيضا إلى توفير نظام لقياس أثر الإنفاق الحكومي وتصحيح الخلل في بنود الإنفاق التي لم تجد نفعا في الحد من اتساع ظاهرة الفقر، إلى جانب إعداد برنامجين تنمويين في أكثر المحافظات فقرا.
نجاح جهود وزارة التخطيط وتحقيق أي أثر في مجال مكافحة ومحاربة الفقر، يتطلب الإيمان بالفكرة وقدسيتها، وإلا فإن الجهود لن تفضي إلى شيء، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة من دون إحداث تقدم ملموس.
إعادة "الهيبة" إلى ملف الفقر مطلب مهم، لارتباطه الوثيق بسلسلة الأمن الشامل الذي تهدد زعزعته بتقويض كثير من الإنجازات التي تحققت في الماضي، وبقاء ملف الفقر على حاله سيخرج الكثيرين من عزلتهم التي لن تستمر إلى مائة عام.