"يا روح لا تحزني" عن طارق الناصر وصحبه

تواصل فرقة رم الأردنية، التي أثبتت حضوراً قوياً على مستوى العالم، بقيادة الفنان المبدع بحق طارق الناصر، خطواتها الواثقة المتمكنة من أدواتها في درب الإبداع، متفوقة على ذاتها في كل مرة.
وقد احتضنت جنبات مسرح الحسين الثقافي قبل أيام، أمسية موسيقية لافتة من حيث مضمونها، وطبيعة التفاعل الجماهيري معها، وقدمت الفرقة بحرفية وإتقان بالغين، شكلاً موسيقياً مختلفاً، وإن كان يندرج في سياق هويتها المتفردة، فأضافت الكثير لرصيدها المكتنز، المليء دوماً بكل ما هو مدهش وأصيل، وتمكنت فرقة رم من الاحتفاظ بجمهورها النوعي، وقد اكتسبته تدريجياًَ عبر أعوام من التميز والألق، فتضاعف عدد هذا الجمهور الشاب الحضاري المثقف، وصار أكثر حرصاً على متابعة هذا المنجز الأردني المتقدم.
حالة فرح حقيقية، انتابت الحريصين على رقي الفن ورفعته، وسمو رسالته الإنسانية، جراء الحضور الشبابي الكثيف، الذي فاض عن المكان، فافترش الشباب والصبايا الأرض، واستمعوا بانتباه شديد إلى مقترحات طارق الناصر الجمالية، التي خطفت الأنفاس، حين أقدم على مغامرته الأخيرة، في حوارية موسيقية، برفقة فرقة بريباخ الاسكتلندية، التي حل عازفوها ضيوفاً على طارق وصحبه، وقد برعوا بدورهم في تقديم تراثهم الموسيقي العريق، مزاوجاً برشاقة وفنية عالية، لإرث موسيقي أردني ثري متنوع، لا يقل عراقة، أفسح طارق بثقة كبيرة الفضاء إلى موسيقاه، المستمدة من روح ونبض التراث الأردني بعين مثقفة، بالغة الحساسية والرهافة، فأشعل حماس الحضور، وبث فيهم روح الأمل، بمنجز موسيقي جاد، كفيل بالارتقاء بثقافة جيل متهم بذائقته، في زمن متعثر الخطى، يشهد تدنياً خطيراً في جل ما يقدم للجمهور، اللاهث في معظمه إلى أغاني فيديو كليب، بلغت درجة غير محتملة من الهبوط نحو الحضيض، مستفردة بالفضاء، عاملة على مدار الساعة، على إفساد وتجهيل أجيال قادمة، تقوم النخب بكيل التهم إليها بالتقصير والضحالة فيما بعد!
يشكل طارق الناصر، نموذجاً للفنان الأصيل غير المطمئن، المسكون بالقلق، المهجوس بالاختلاف، الساعي دوما إلى التجدد، حاصداً النجاح تلو الآخر. غير أنه لم يصب في أي مرحلة بداء الغرور والتعالي، ولم يتخل عن جوهره كفتى إربداوي هادئ عميق خجول، أحسن ذووه تربيته، متميزاً بصفات إنسانية تبعث على الاحترام، لعل من أبرزها فضيلة التواضع، التي يمتلكها الكبار فقط، ذلك رغم توفر كل أسباب الغرور التي تطيح بالرؤوس أحياناً.
حاز طارق الإقرار الجماهيري الكبير، والعديد من الجوائز الدولية والمحلية، والشهرة الواسعة التي حققها ابتداء من ظهوره المدوي في مسلسل نهاية رجل شجاع، حين خاطبت موسيقاه أوجاعنا قائلة: ياروح لا تحزني! ملحناً وموزعاً للموسيقى التصويرية، التي وضعته بقوة على خريطة الدراما، كركن أساسي في مسلسلات جادة، حققت نجاحات كبرى.
بكل الحب والزهو، نتابع نجاحات فرقة رم المتصاعدة، ونشد على يدي فناننا الأجمل طارق الناصر، وهو الذي يعمل بإخلاص عز نظيره، كمضاد حيوي شديد المفعول، ضد مظاهر القبح والرداءة والاستخفاف، وتبقى تجربة الاستماع إلى موسيقاه، بمثابة التداوي من مختلف أعراض اليأس التي تنتابنا، في خضم كل هذا الخراب.