الحكومة بين السياسة والمسايسة

المدينة نيوز - غابت السياسة نهائيا عن تعامل الحكومة مع أزمة المعلمين حتّى أول من أمس، عندما بدأت تظهر ملامح معالجة سياسية جديرة بمن يديرون شؤون الحكم.
بمعناها المبتذل يمكن أن يقصد بالسياسة في التعامل مع أزمات ناشئة “المسايسة”، أي المجاراة أو حتّى “الدهلزة”، لكن أداء الحكومة طوال أسبوع غابت عنه السياسة والمسايسة، فالمشكلة من بدايتها كانت تستحق الاهتمام والتفكير الجادّ بحوار حكومي داخلي وحوار مع المعلمين حول القضية المطروحة، وهي مطلب انشاء نقابة للمعلمين وأصبح الأمر أشدّ الحاحا بعد زلّة اللسان الشهيرة التي استفزت ردود فعل عاصفة، لكن بالنسبة للوزير انتهى الأمر بكل بساطة باعتذار عن العبارة “المنزوعة من سياقها” وكأن القضيّة كلها هنا!
التصلب والتشدد يمكن ان يكون ايضا سياسة، لكنها سياسة تستند إلى أساس ورؤية في لحظات معينة من إدارة الأزمة، ولم يكن هذا خيارا مقصودا من الحكومة، فهي تجاهلت كليا التحرك بشأن نقابة المعلمين لأنه ليس لديها أي تصور، وليست جاهزة لبحث أي تصور يتصل بهذه القضية، والتكنوقراط لا يعتبرونها شأنا يمكنهم التعامل معه، ثم تدحرجت الأزمة على وقع “زلّة لسان” الوزير كاشفة عن حجم الاحتقانات الموجودة في هذا القطاع، احتقانات تتطلب وقفة أكثر عمقا وليس كثيرا أن تبدأ بالمسارعة للقاء المعلمين والتحاور معهم بكلّ جدّية.
أول من أمس بدأنا نلمس ردود فعل من نوع مختلف، ولعلّ الحكومة بدأت أخيرا تفكر بعقل سياسي. فقد شكلت وفدا وزاريا برئاسة نائب الرئيس وعضوية وزيري التنمية السياسية والشؤون البرلمانية، ليلتقي بوفد يمثل معلمين من مناطق مختلفة، وقد يأتي رئيس الوزراء الى اللقاء. ونقدّر أن اللقاء سيكون له أثر مهم على الطرفين؛ الحكومة والمعلمين، في مقاربة جديدة للمشكلة، وهي ذات أبعاد واسعة ومعقدّة، واحد منها فقط موضوع النقابة.
هناك إشكالات عويصة في القطاع التربوي؛ من المستوى المعيشي للمعلمين، إلى مستوى التأهيل ونوعيته، إلى المناهج إلى البنية التحتية إلى العلاقة المعقدّة بين الطالب والمعلم، ولا يمكن أن ينظر الى المعلمين الا وفي الذهن انهم جزء من منظومة بين يديها جيل الأبناء كله، وصناعة المستقبل. هناك معضلات كبرى، والإصلاح ليس قرارت فقط، إنه عملية دائمة ومضنية لتصويب المسار والتقدم الى الأمام، ومعالجة انزلاقات مترتبة على الأخذ بهذا التوجه أو ذاك، فحادثة مأساوية مثل فقء عين الطالب تضع في مقدمة الأولويات ضبط سلوك المعلمين ومنع استخدام العنف الجسدي أو المعنوي. وهذا خط أساسي معتمد فعلا، لكن الأساتذة وحدهم يعرفون الأثر المقابل من ظواهر الاستقواء على المعلمين والتواقح عليهم، والاستغلال الخبيث للتعليمات التي تكبّل المعلمين. وقال معلمون إنهم يخشون بعد عبارة الوزير الشهيرة أن يسمعوا طلبة يردّون عليهم بعبارات مثل “روح احلق لحيتك أوّل”. ثمّة توازنات معقدة تحتاج إلى سهر دائم، وتحتاج إلى الإصغاء دائما وكثيرا الى إلمعلمين عند وضع الخطط والسياسات.
جميل النمري