الاستيطان الجزئي داخل المستوطنة الكبيرة

المدينة نيوز - انطلاقا من مؤتمر بازل الشهير في سويسرا في العام 1897 حدد اليهود هدفهم باقامة دولتهم على كل ارض فلسطين ، ولم يغفلوا ان ذلك سيلقى مقاومة ورفضا ، كما لم يغفلوا ان ذلك يحتاج الى وقت والى تدرج لانجاز الهدف.
والتحدي الرئيسي امام القادة الصهاينة كان ابتداء تمكين اليهود من الهجرة الى فلسطين على امل ان يصبح عدد اليهود مئات الآلاف من الافراد بينما كانوا عند انبثاق الفكرة في بازل بضع مئات من الافراد من اليهود في فلسطين.
وتمكن اليهود من اقامة الدولة العبرية عبر جريمة اغتصاب %78 من ارض فلسطين تركزت مساحتها على شاطىء ليكون البحر منفذا لهم على العالم وبعد 50 عاما من بازل في العام 1897 الى النكبة في العام 1948 اصبح عدد اليهود الذين تم تهجيرهم لفلسطين نصف مليون يهودي حولوا الجزء الاكبر من فلسطين الى مستعمرة مدججة عسكريا ومستوطنة كبيرة
بـ %78 من مساحة فلسطين.
وكان ما تحقق لليهود باقامة الدولة العبرية هو انجاز مرحلي لان الهدف ظل هو السيطرة على كل فلسطين واحتلال البقية الباقية وهو ما تحقق باحتلال الـ22% التي تضم الضفة الغربية وغزة في العام ,1967
بعد العام 1967 بدأ المشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية وهو استمرار واستنساخ للمرحلة الاولى من المشروع التي تمثلت في هجرة يهودية بشكل تدريجي وصلت الى نصف مليون يهودي في العام 1948 ، وما تحتاجه اسرائيل اليوم هو نصف مليون مستوطن يطبقون على الضفة الغربية التي تمثل عند اليهود رمزية اقامة الدولة اليهودية الخالصة في القدس ويهودا والسامرة وحسب اساطيرهم وخرافاتهم فان سيدنا داوود وولده سيدنا سليمان قد اقاما الدولة العبرية الاولى قبل ثلاثة آلاف سنة في حدود القدس ويهودا والسامرة حسب التعبير اليهودي وهو ما يدفع اليوم الى تهويد القدس وما حولها وكذلك الخليل ونابلس وما حولهما اللتين اسمونهما يهودا والسامرة ، اي تحقيق التهويد الكامل للضفة الغربية عبر الاستيطان كما تم تهويد الجزء الاكبر من ارض فلسطين عبر الهجرة وابتلاع %78 من ارض فلسطين كما اشرنا.
الذي لا ينكره اليهود هو ان خرافاتهم واساطيرهم تحدثت عن دولة اليهود المزعومة على يد داوود وسليمان في حدود الضفة الغربية ، وان تلك الدولة لم تصل الى شاطىء فلسطين ابدا حسب اعتقادهم وانهم فقط احتلوها لتكون منطلقهم بعد ان يقوى عودهم لاستعادة مملكة داوود.. الخ.
والحديث اليوم عن الاستيطان والتهويد يتركز على جزئيات مع ان الحقيقة هي ان كل فلسطين تحولت الى مستوطنة كبيرة من البحر الى النهر والى مستعمرة وقاعدة متقدمة للغرب في قلب المنطقة ، ولو ان هذا الغرب لا يوافق على الحسابات المتسرعة للصهاينة احيانا ، وهذا ما يحدث بالنسبة لهجرة اليهود في العقود التي سبقت 1948 حيث كان هنالك خلاف بين اليهود وقيادات الغرب احيانا الذين كانوا يقولون ان مصالحهم يومها تقتضي فرملة الهجرة اليهودية لفلسطين ، ولو دعائيا وظاهريا.. الخ ، وما يحدث اليوم بما في ذلك الاثارة التي احاطت بالخلاف الامريكي الاسرائيلي مؤخرا حول مطلب امريكا بفرملة الاستيطان دعائيا وبشكل مؤقت هو تكرار لمحطات فرملة الهجرة.
لكن الصلف والتعنت الصهيوني يتسرع الامور على امل استكمال تهويد كل فلسطين بعد 50 عاما من 1967 100و عام من وعد بلفور وهي ماضية في ذلك لا يقلقها خلاف عابر مع امريكا لان هذا الخلاف كان يصفه اشهر مفكر وكاتب صحفي امريكي في النصف الثاني من القرن الماضي وهو جيمس روستون الذي كان يقول: "ان الخلاف بين امريكا واسرائيل هو خلاف بين عاشقين" وهكذا كانت خلافات اليهود مع بريطانيا التي مكنتهم من احتلال غالبية فلسطين في العام 1948 ونفس الامر يتكرر حيث تعمل امريكا على تمكين اسرائيل من تهويد كل فلسطين نهائيا .