دعنا نصدر بيانا ختاميا

المدينة نيوز - على ماذا يدور النقاش معظم الوقت في اجتماع وزراء الخارجية العرب تمهيدا للقمة؟
يدور حول البيان الختامي! فالمطلوب عادة من الوزراء تقديم صيغة بيان مقترح يصدر عن القمة. وهنا تشهد أروقة الاجتماعات مساجلات ماراثونية، ويمكن ان يستمر الشدّ والجذب ساعتين حول جملة معينة، وقد يخرج منتصرون وخاسرون وتبذل جهود مضنية للخروج بصيغة توافقية. وفي كل مرة ينتهي الأمر ان يصبح "النص" بذاته هو القضية وهو الإنجاز، والحق أنه لا ينبغي التقليل من الشعور بالتعويض النفسي والإنجاز الذي يحققه وزراء الخارجية من أجل القمة التي ليس لديها الكثير لتنجزه، وهم على كل حال يراعون ترك بعض النقاط معلقة ليبت بها القادة في اجتماعهم.
ذات مرة، على هامش لقاء أمين عام الجامعة وعدد من وزراء الخارجية العرب في عمان، في إطار لجنة متابعة ما، قال لي وزير خارجيتنا في حينه عبدالإله الخطيب إنهم قرروا عدم إصدار بيان في ختام أعمال اللجنة، فسألت هل الخلافات عويصة إلى هذا الحد؟ فقال: أبدا، كل ما في الأمر أنني أعرف أننا سنقضي ثلاثة أرباع الوقت المتوفر لمناقشة نصوص البيان الذي سنصدره، فاقترحت عليهم توفير الوقت لنناقش القضايا العملية والمقترحات من دون حساب ما سيصدر لوسائل الإعلام والذي يتحول إلى هدف بذاته عند بعض الأطراف.
أعجبتني الفكرة، ومنذ ذلك الحين وأنا أستعيدها في بالي مع كل مناسبة تقتضي بيانا ختاميا، بل أستذكر أيام العمل الطلابي في الخارج والمؤتمرات والملتقيات واحتدام حروب الصياغات البديلة لنصوص البيان الختامي بين الأطراف السياسية المشاركة على هامش الجلسات العامة الرسمية المخصصة للخطابات المملة، ماذا كنا نفعل لو لم يكن هناك بيان ختامي؟
تميل البيانات الختامية في العادة الى التشدد الإنشائي، وتترك للقرارات التحلي بالواقعية، ولذلك غالبا ما تكون معركة المتشددين هي في البيانات الختامية للفوز بأكثر المواقف جذرية، بينما يميلون للتواري عند الوصول إلى القرارات التي يترتب عليها مسؤوليات عملية.
ماذا لو قررت القمة العربية التخلي عن إصدار بيان ختامي والاكتفاء بالقرارات. طبعا لا نريد تحويل القرارات الى إعلانات سياسية بديلة للبيان الختامي، القصد أن يناقش القادة العرب فقط السؤال التالي؛ ما هي المقترحات للعمل؟! قد ينسى احدهم، من معسكر الممانعة مثلا، نفسه ويقفز لاقتراح إصدار بيان صارم يدين كذا وكذا. . . فيعيد آخر التذكير بأننا لا نريد بيانات بل نريد خطة عمل وأفعالا، وعندها لن يكون هناك فرق بين الأطراف أبدا بما في ذلك العقيد المضيف. سيحك الجميع رؤوسهم وسيقلبون أيديهم، وسوف تسمع تمتمة محبطة ثم ينظرون إلى بعضهم ويقولون، دعنا نصدر بيانا ختاميا!