اغتيال الذاكرة

تم نشره الأحد 24 أيّار / مايو 2015 01:14 صباحاً
اغتيال الذاكرة
خيري منصور

احيانا يكون الانتحار العقلي أنكى وأشد من الانتحار الجسدي، وكذلك الاغتيال، فهو قد لا يطال الجسد لكنه يستهدف الفكرة او الذاكرة، لهذا كان كاتب فرنسي يزهو على انداده الاوروبيين قائلا إن بلاده اخترعت المقصلة كي تقطع الرأس بعكس غيرها من البلدان التي تقطع اللسان فقط وتبقي صاحبه حيا وأخرس . ما يحدث الآن هو اغتيال الذاكرة تدمير الاطلال والآثار والتماثيل، اغتيال للذاكرة وكذلك التجهيل المبرمج الذي يقدم نفسه تحت قناع مزخرف، وكأن هناك جهات في هذا الكوكب تصاب بضيق التنفس والاختناق كلما احست بأن هناك شعوبا تتذكر ولها جذور لهذا تسعى الى اعادة البشر الى اول السطر وبدء الخليقة . ان تجليات اغتيال الذاكرة عديدة ولا تتوقف عند تدمير المتاحف وازالة الاثار الممهورة ببصمات اسلاف انجزوا حضارات وعلّموا البشرية القراءة والكتابة واحيانا علموها الصمت على طريقة ما سماه النفّري : كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة، والعكس صحيح ايضا فكلما ضاق الفكر وانحسر تكون الثرثرة تعويضا ! ان اغتيال الذاكرة هو تجريف للتاريخ وعودة الى الكهف، وحين تسقط القوانين والشرائع ومنظومة القيم التي كابدت البشرية عدة الفيات من اجل ترسيخها يصبح كل شيء مباحا ومُتاحا، فلا كوابح من اي نوع، ولا مفاهيم يمكن الاحتكام اليها . الطلل او الاثر التاريخي الذي قاوم عوامل التعرية زمنا طويلا هو بمثابة توقيع لمن شيدوه وارادوا الامتداد من خلاله الى احفاد الاحفاد ! وأسوا ما تتسم به الحرب القذرة على الذاكرة هو ان المعتدى عليه مجرد حجر او برونز لا يستطيع الدفاع عن نفسه وتدميره ليس انتصارا بالمعنى الدون كيشوتي، وحين يتصور اعداء الذاكرة ان ما يفعلونه يعيد الانسان الى الصفر فانهم واهمون لأن ما تبقى من منجزات الماضي تحول الى انماط تفكير وسلوك، لكن ما نخشاه رغم هذا التسارع في التقدم التكنولوجي ووسائل التواصل هو ان نضطر ذات يوم الى حفظ الكتب عن ظهر قلب لأنها مهددة بالحرق اذا كانت ورقا وبالقرصنة اذا كانت عبر وسيلة اخرى تماما كما وصف هذا المشهد الكاتب براد بوري في روايته الشهيرة 451 فهرنهايت ! 

(الدستور 2015-05-24)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات