هل أفلت زمام الأمر من يد أميركا؟

تم نشره الخميس 28 أيّار / مايو 2015 12:53 صباحاً
هل أفلت زمام الأمر من يد أميركا؟
د. موسى شتيوي

الانتفاضات العربية والحروب الأهلية التي تبعتها في بعض دول المنطقة، لم تؤثر فقط في النظام الإقليمي والجيواستراتيجية، وإنما أدت أيضاً الى تغيرات في علاقة القوى الإقليمية والدول الكبرى بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص.
لقد أحدثت التطورات السياسية في المنطقة هزة كبرى في النظام الإقليمي، وانتقلت الحروب الباردة إلى حروب ساخنة بين بعض الدول الإقليمية، أو ما يسمى بالمعسكرات الإقليمية وأدواتها وحلفائها؛ من القوى والأحزاب المسلحة. إذ أصبحت هذه القوى، ربما للمرة الأولى، الأكثر فاعلية في التأثير في مجريات الأمور في العديد من الدول الكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
فهناك المعسكر الإيراني الذي اغتنم فرصة التحولات السياسية في المنطقة ليعزز وجوده ومصالحه في دول مثل العراق، وسورية، ولبنان، واليمن وغيرها. في المقابل، هناك المعسكر السُنّي الذي يوجد فيه أكثر من طرف، لكن الأقوى تأثيراً ضمنه دول الخليج، يضاف إليها تركيا في بعض الملفات، ومصر في ملفات أخرى. ويبدو أن هذه الدول قد توصلت إلى قناعات بأن هناك ضبابية في سياسة ومواقف الولايات المتحدة من العديد من الملفات، سواء في سورية أو العراق أو اليمن، وبدأت تأخذ زمام الأمور بيدها، ولم تعد تنتظر رعاية الولايات المتحدة لمواقفها. كان ذلك جلياً في فترة "الربيع العربي"؛ إذ تدخلت الدول الإقليمية بشكل قوي في سورية والعراق وليبيا واليمن، محاولة أخذ التحولات باتجاه مصالحها. ويبدو أن ذلك ناتج عن قناعة هذه الدول بأن الولايات المتحدة أضحت عاجزة عن إدارة هذه الملفات المتشابكة، وأن الدول قررت اتخاذ ما يلزم للدفاع عن مصالحها كما تراها هي.
"عاصفة الحزم" جاءت بوصفها مثالاً صارخاً على ذلك. فقد ارتأت السعودية أن الحوثيين وحلفاءهم، ومن خلفهم إيران، باتوا يشكلون تهديداً للأمن القومي السعودي والخليجي، وقررت خوض الحرب بحد أدنى من التنسيق مع حليفتها التاريخية والاستراتيجية الولايات المتحدة، إلا أنها لم تستطع أو ترغب في إيقافها. ولكن قد يكون المؤشر الأهم هو التحالف الذي بدأت تنضج معالمه في سورية، ويضم تركيا والسعودية وقطر.
فبعد "عاصفة الحزم"، برز تحالف جديد في سورية يضم السعودية وتركيا وقطر، فيما يبدو أنه جهد منظم يسعى لتغيير موازين القوى لصالح المعارضة الإسلامية، وأهمها "جبهة النصرة"، وهذا ما يفسر الانتصارات المتتالية للمعارضة المسلحة، وبخاصة سقوط إدلب وجسر الشغور، في حملة تسعى لإسقاط النظام السوري بعكس السياسة الأميركية المعلنة والتي تدعو إلى حل سلمي من خلال تشكيل حكومة انتقالية في سورية.
إسرائيل باعتبارها قوة إقليمية وحليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، كان لها السبق في مخالفة السياسة الأميركية، بخاصة بشأن القضية الفلسطينية. إذ فشلت أميركا في ثني حليفتها عن الاستمرار في بناء المستوطنات، وأفشلت إسرائيل كل الجهود الأميركية الساعية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، لا بل ذهبت أبعد من ذلك في معارضتها العلنية للاتفاق النووي مع إيران، وفي محاولة تجاهل الإدارة الأميركية، بخاصة عندما زار نتنياهو الكونغرس الأميركي من دون موافقة الرئيس الأميركي أوباما، ما أبرز ضعف الرئيس فبدا عاجزاً عن التأثير في الأحداث في المنطقة.
إيران اللاعب الإقليمي المهم الآخر لم يقلّ سلوكه أهمية في تجاهل القوة والسياسة الأميركيتين في المنطقة، سواء كان ذلك في العراق أم سورية أم غيرهما من البلدان العربية، والتي أظهرت عجز الإدارة الأميركية عن وقف التدخل الإيراني في دول عربية مهمة لأميركا.
يبدو أن أميركا لم تعد الآمر الناهي في العديد من الملفات الإقليمية. وكنتيجة لسياسة أوباما المعلنة بعدم الرغبة في التدخل العسكري في مناطق الصراع في المنطقة، فقد فتح ذلك الشهية للدول الإقليمية التي شعرت بأن لديها الحرية بأخذ زمام المبادرة في الدفاع عن مصالحها أو تحقيق أطماعها.
هذه التحولات غاية في الأهمية للتطورات المقبلة في البلدان التي تعاني من النزاعات المسلحة، إذ إن الدول الإقليمية ستكون عاجزة عن تقديم حلول لهذه الصراعات، وأقصى ما يمكنها تحقيقه هو مصالحها. وعليه، فإن التوصل لحلول لهذه النزاعات يستدعي دوراً مهماً للمجتمع الدولي، وهو الأمر الذي من الصعب تصوره من دون حضور قوي للدول الرئيسة على المسرح العالمي، بخاصة الولايات المتحدة وروسيا.

(الغد 2015-05-28)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات