فساد منهجي

تم نشره الثلاثاء 30 آذار / مارس 2010 04:57 صباحاً
فساد منهجي
خيري منصور

المدينة نيوز - هناك تجربتان على الاقل تغريان بتكرار احداهما على واقعنا العربي ، الاولى لفيلسوف انجليزي قرر ان يقرأ ما كتبه المؤرخون على انهيار وفساد الامبراطورية الرومانية في خريفها ، والثاني كاتب انجليزي ايضا عرفه العالم من خلال رواية شهيرة بعنوان 1984 هو اورويل.

في التجربة الاولى اتضح للفيلسوف ان الاسلوب الذي كتب به معاصروه عن سقوط الرومان كان يعاني من السقوط ايضا ، وكأن جرثومة الفساد والعطن انتقلت من المجلدات القديمة والمتاحف لتصيب من يكتب عنها ويحللها اما اورويل فقد وجد ان المقالات السياسية التي كانت تكتب في اربعينات القرن الماضي تصلح نموذجاً للرداءة والفساد اللذين تتصدى لنقدهما ، واذا كان الواقع فاسداً فان العدوى انتقلت ايضا الى الشهود على هذا الفساد فتحولوا الى شهود زور.. ولو جرب باحث عربي له صلة بعلمي النفسي والاجتماع ان يفحص عينات من اساليب معالجة التخلف والفساد في الكتابات المعاصرة ، لوجد ان الجرثومة قد انتقلت ايضا ، لتصيب عدواها من يتوهمون بانهم خارج مدارها او ملقحون ضدها، فالتقدم والتخلف والنزاهة والفساد والديمقراطية والديكتاتورية مناخات قبل اي شيء آخر ، وما ان تصبح مبثوثة حتى نتحول الى اوبئة ، ويجب اعلان المناطق او المجتمعات التي تغلغلت فيها الجرثومة مناطق منكوبة ، لكن العالم لا يعترف حتى الان بغير ما يلامسه باليد وما يراه بالعين المجردة ، رغم ان أوبئة الفساد والتخلف اشد نفوذا وتدميراً من الزلازل والأعاصير.

اليست مفارقة ان تقرأ مقالات وتعليقات تبشر بالديمقراطية وتحرض على الحوار ثم نكتشف منذ السطر الاول ان هذه الكتابات مضادة للحوار والديمقراطية؟ وكيف يمكن لمثقف في آخر العقد الاول من القرن الحادي والعشرين ان يبدأ مقالة بعبارة مما لا شك فيه او مما لا يختلف حوله اثنان، رغم انه ما من امر جدي لا يختلف فيه الواحد مع نفسه ان المناهج والمقاربات والاساليب تفتضح ذهنية من يمارسونها اذا كان هدفهم نقد السائد ، فهم من حيث لا يعلمون يحملون الداء ذاته ، وهكذا يصح عليهم المثل الشعبي الاسكافي حافي او النجار مخلعة أبوابه.. ويبدو ان الافلات او النجاة من الفساد والانحطاط عندما يتحولان الى وباء أمر شبه مستحيل واسوأ ما نتورط به الآن هو معالجتها بالتي كانت هي الداء. فالاطباء اشد نحولا واعياء من مرضاهم.

وما كان يسمى نهر الجنون في الحكاية القديمة عن بلدة شرب اهلها كلهم من نهر الجنون باستثناء واحد ، ثم وجد ان نجاته الوحيدة هي في التخلي عن الرشد والشرب من الماء ذاته ، اصبح الآن الماء الذي يجري في كل انابيب هذا العالم وكل ما يأتي من الصنابير والحنفيات هو من سلالة ذلك الماء ، والى ان يجازف احد الباحثين في الكشف عن امراضنا من خلال الوصفات التي نقترحها على الناس ، سيظل فاقد الشيء لا يعطيه ، ومن ينتظر الغيث من غيمة غبار ، عليه ان يهيئ نفسه للموت من فرط الظمأ،،.
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات