المبارزة الفاصلة.. أوباما ونتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأميركي بينهما ما صنع الحداد، ويسعى كل واحد منهما لتدمير الآخر.
ومن الأمور التي باتت واضحة تمام الوضوح أن الرجلين يمقتان بعضهما، وأن سياستيهما تتناقضان تناقضاً شديداً، بحيث يمكن القول إن نزاعهم شخصي وسياسي في الوقت ذاته.
ومحصلة الصراع بين الرجلين، سوف يكون لها تداعيات عميقة ليس فقط على بلديهما، وإنما على الشرق الأوسط بأسره أيضاً.
ففي الوقت الذي يتواجهان فيه، تتفاقم التوترات على نحو خطير في المنطقة لدرجة أننا بتنا نسمع مجدداً إشاعات عن احتمال اندلاع حرب فيها.
ومن بين الحوادث العديدة التي وقعت في المنطقة خلال الآونة الأخيرة، حادث إطلاق النار على أربعة من الفتية الفلسطينيين غير المسلحين بالقرب من نابلس بواسطة جنود إسرائيليين، مما أدى إلى مصرعهم، والمصادمات المتكررة في القدس الشرقية التي باتت من أشد النقاط اشتعالًا، وموضعاً للاهتمام الشديد من جانب القادة العرب المجتمعين في القمة العربية التي انتهت فعالياتها بمدينة سرت الليبية.
بالإضافة لذلك، اندلع العنف مجدداً عبر الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة ما أدى إلى مصرع اثنين من الإسرائيليين وعدد من الفلسطينيين، وهو ما يمكن أن يؤدي بسهولة لاندلاع نار حريق أكبر.
في العام الماضي كان أوباما هو المنتصر على بوش، فعندما دعا أوباما إلى تجميد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أمل أن يساعده ذلك في إعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين رفض نتنياهو دعوته. واقترح بدلاً من ذلك تجميد عمليات البناء في المستوطنات لمدة عشرة أشهر فقط، على أن يتم استمرار العمل في 3000 وحدة سكنية في الضفة الغربية المحتلة، وفي العديد من المباني العامة الأخرى - مع استثناء القدس الشرقية العربية تماماً.
وقد نظر معظم المراقبين إلى مقترح نتنياهو هذا على أنه نكتة ساخرة ولكن ما حدث هو أن أوباما رضخ أمام نتنياهو، وهو ما مثل صدمة للعالم بأسره.
وكانت سمعة أميركا التي تدنت إلى الحضيض في عهد بوش قد ارتفعت مرة أخرى عندما تم انتخاب أوباما، بيد أنها ما لبثت أن تدنت مرة أخرى عندما بدا أوباما غير قادر على الوقوف في وجه المتشددين الإسرائيليين.
وكان الإحساس بالصدمة وخيبية الأمل شديداً في المعسكر الفلسطيني على نحو خاص بالإضافة إلى العالم العربي والإسلامي، ولم يتوقف نتنياهو عند هذا الحد، بل أمعن في تحديه، وعلى ما يبدو أنه كان يراهن على فشل أوباما في تمرير قانون الرعاية الصحية في الكونجرس، وهو الاحتمال الذي كان كفيلاً في حالة تحققه بتحويل أوباما إلى بطة عرجاء خلال الفترة المتبقية من فترة ولايته، وبالتالي فقدانه للقدرة على فرض إراداته على إسرائيل.
وبعد أن بدأ نتنياهو يشم رائحة النصر، عمل بلا هوادة على حشد المؤيدين الأميركيين العديدين لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، مثل جماعات الضغط المؤيدة لبلده، ومراكز الدراسات والبحوث، وصحافة التيار الرئيسي، بل والكونجرس ذاته من أجل شن هجوم جبهي على أهداف أوباما السياسية الرئيسية، والتي تشمل ليس فقط مشروع قانون الرعاية الصحية في الداخل الأميركي، ولكن أيضاً حل الدولتين كخيار مطروح لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والانفتاح على إيران، والمصالحة مع العالمين العربي والإسلامي.
وفي تناقض صارخ مع هذه الأهداف، حاول نتنياهو حشد العالم بأسره ضد ايران، وتحدى الجميع من خلال المضي قدماً في طرد الفلسطينيين من القدس الشرقية، وبناء مساكن لليهود هناك، بل وصل به الأمر إلى حد القول إن البناء في القدس لا يختلف عن البناء في تلك أبيب.
ولكن الرياح جرت على عكس ما تشتهي سفن نتنياهو وهو ما دفعه دفعاً لتغيير سياق مبارزته مع أوباما.
فمن ناحية، تمكن أوباما - وعلى عكس ما كان يتمناه نتنياهو - من كسب معركة الرعاية الصحية، ولم يكتف بذلك فحسب بل تمكن بعدها مباشرة من تحقيق نصر آخر من خلال استكمال المباحثات لتوقيع معاهدة الحد من الأسلحة مع الرئيس ميدفيديف، وبهذين الانتصارين في جعبته، يبدو أوباما الآن أكثر استعداداً للدخول في مواجهة مع نتنياهو.
والكلام الذي يتردد في واشنطن في الوقت الراهن، يدور حول أن أوباما يرغب في زحزحة نتنياهو عن منصبه، أو إجباره على أقل تقدير على إعادة تشكيل التحالف، الذي يقوده من خلال طرد المتطرفين المنتمين إلى الجناح "اليميني"، واستبدالهم بحزب "كاديما" المعتدل نوعاً، والذي تقوده وزيرة الخارجية السابقة "تسيبي ليفني".
وما يبدو الآن هو أن ساعة الحسم تلوح في الأفق: ففي الولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء، هناك في الوقت الراهن نوع من الشعور بنفاد الصبر تجاه وحشية إسرائيل، ولامبالاتها بحياة الفلسطينيين، وحصارها لغزة، واغتيالها لمعارضيها السياسيين، وتوسعها المستمر في الأراضي الفلسطينية وخصوصا في القدس الشرقية، وهو ما يستبعد عملياً أي إمكانية للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع بينها وبين العرب.
ويرى عدد متزايد من السياسيين والمعلقين الغربيين، أن مغتصبي الأراضي من القوميين والمتعصبيين من الأصوليين الدينيين الإسرائيليين، لا يقلون خطراً على المصالح الغربية في الشرق الأوسط من المتطرفين الإسلاميين في العالم العربي.
ومع ذلك فإن لا أحد في إسرائيل ولا في الغرب تصدى حتى الآن لمواجهة المتطرفين الإسرائيليين الذين لا يقلون عن تلك الجماعات المتطرفة الاخرى. ليس هذا فحسب، بل إنهم يمثلون جزءاً لا يتجزأ من حكومة نتنياهو.
وكنتيجة لذلك يمكن القول إن ما يطلق عليه "الرباط الذي لا ينفصم" بين إسرائيل والولايات المتحدة - والذي جرى التغني به كثيراً في مؤتمر "آيباك" الأخير في واشنطن، كان سبباً في تآكل خطير لنفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي.
ففي الوقت الراهن يسعى القادة العرب والذين كانوا معتمدين اعتماداً شبه كامل على الولايات المتحدة إلى تنويع تحالفاتهم من خلال البحث عن حلفاء جدد غير الولايات المتحدة، لأنهم أصبحوا يدركون تماماً أن النظر إليهم من قبل شعوبهم على أنهم مقربون أكثر مما ينبغي لأميركا بات أمراً يلحق بهم أضراراً شديدة.
الجميع يراقبون الموقف في الوقت الراهن، ليروا ما إذا كان أوباما الذي اكتسب حيوية متجددة قد أصبح جاهزاً الآن لخوض المعركة النهائية ضد نتنياهو أم لا.
وهناك إجماع متزايد على أن السلام في الشرق الأوسط - فائق الأهمية للعالم الصناعي - يجب، بطريقة أو بأخرى، أن يتم فرضه فرضاً.
وهذا في الحقيقة هو التحدي الكبير الذي ينتظر أوباما خلال السنوات الثلاث القادمة من ولايته.
(باتريك سيل- نقلا عن "الاتحاد" الإماراتية)