زيد حمزة محكوما بالأمل

المدينة نيوز - قال الدكتور زيد حمزة، في حوار صحافي، إن الجمال الحقيقي يكمن فيما نسكت عنه، وليس فيما نبوح به.
مستعينة بهذا المفتاح الذكي، دخلتُ عالم زيد حمزة المشيد ببراعة قصوى، في كتابه الصادر حديثا عن مديرية الثقافة في أمانة عمان الكبرى، ضمن سلسلة المذكرات الوطنية، بعنوان "بين الطب والسياسة".
رصد حمزة تفاصيل التفاصيل في مشوار حياته الثري الحافل بالدهشة، ساردا علينا حكاياته الممتعة، بأسلوب بسيط فائق التشويق، يجعل قرار ترك الكتاب جانبا، أو تأجيله إلى حين التفرغ، أمرا ليس باليسير.
وهكذا لم انتبه لمرور الوقت، إلا وأنا أطوي الصفحة الأخيرة من الكتاب، حيث صور للوحات أبدعتها يداه، حين قرر تعلم الرسم تحقيقا لحلم قديم.
رحلة ممتعة، تستعيد عمرا مكتظا بالذكريات والصور، المقيمة في أرشيف الروح، محفزة القارئ على التوق لأزمان وأماكن بهية حاضرة في البال. تجوال متعدد المستويات، انطلاقا من أعمق نقطة في الروح، حيث تربض الحقيقة.
قدم الدكتور زيد ضمن لغة شديدة التكثيف، قصة حياته الغنية المتنوعة المتشابكة، حكما بقصة الوطن، وهو العاشق له حد الغيرة، الغيورعليه حد العشق، متمسكا بالوضوح كمبدأ حياة، مثيرا الإعجاب بذلك الإصرار اللافت، على قيم الحق والجمال والحرية، التي تربى عليها كاتبنا، وهو يرصد مفاصل كبرى من تاريخ الوطن، وضعها بين يدي القراء، كشاهد عدل.
تمسك حمزة بالأمل وبشر به، وظل رهانه على الدوام قائما على الوطن، كحضن دافئ، وفضاء متسع لكل الأحلام مهما بدت مستحيلة. ارتبط بالأماكن الأولى وظل وفيا لها، يستمد من رحيقها العالق في ذاكرته، الطاقة على الحب والعطاء، احتفل بالحياة، واعتبرها فرصة استثنائية لا ينبغي أن نبددها بالشكوى والتذمر، متمسكا بأهمية العمل والإنجاز في كل مراحل حياته، بفعل تركيبته النفسية، القائمة على الحيوية والتجدد والتنوع.
ثمة الكثير من الدروس التي يعلمنا إياها هذا الكتاب، لعل أهمها: ضرورة الانتباه والاكتراث بما يدور حولنا من أحداث. والتحلي بالطاقة الإيجابية، والقدرة على الأمل والحلم، والإخلاص إلى مفردات الماضي، كرافد أساسي في تكوين وعينا، والتصالح مع شروط الحاضر مهما بدا شاقا، مع التحلي بأدوات الانضمام للمستقبل بكل تحدياته.
قال الراحل سعد الله ونوس، وهو يصارع مرضا غير رحيم : نحن محكومون بالأمل، ولسوف يلحظ القارئ بسهولة، أن ثمة ترجمة فعلية لهذه المقولة عبر صفحات هذا الكتاب.
أهنئ الدكتور زيد بهذا المنجز الكبير، وأدعو له بالعمر المديد، وبالمزيد من الألق، وأشكر أمانة عمان الكبرى احتضانها ورعايتها لهذا المنجز الإنساني الفذ.
لكل ما تقدم، ولتفاصيل كثيرة يضيق المجال عن الخوض بها، فإنني أحرص بشدة على قراءة هذا النص، الذي يتجاوز السيرة الشخصية للكاتب، ليشمل سيرة وطن بأكمله. وأضمن لكم وعلى مسؤوليتي، تحقق شروط المتعة والفائدة وفسحة التأمل.