فضاء الصقر والذبابة

المدينة نيوز - في الفضاء متسع للصقور والذباب ، تماماً كما قالت الشاعرة اليزابيث درو: في الغابة متسع للاسد والفراشة ، ويبدو ان الفضائيات العربية قد اتسعت ايضا لكل هذه المتناقضات ، تارة تحت عنوان الديمقراطية ، وتارة تحت شعار حرية التعبير ، وهذا بحد ذاته امر لا غبار عليه ، لكن من حق المشاهد الذي لم تعطب بوصلته بعد ، ولم تفسد فطرته ان يرى الاشياء على ما هي عليه ، وليس تبعاً لما يقال له او ما يوضع امامه من عناوين ، ومناسبة هذه التداعيات الفضائية ، حكاية لا تخلو من طرافة حدثت لي مع فضائية عربية خاصة ، او مستقلة كما يحب العاملون فيها ان يسموها ، فبعد ان طُلب مني الكلام لاكثر من ساعة حول شجون عربية ، اتصل بي المعد وقال لي بانه يريد الدردشة عبر الهاتف ، وكان اول سؤال وجهه لي هو.. هل هناك فعلا شيء اسمه الوحدة العربية ، فاجبته على الفور وعبر الهاتف نعم ، ولكنك يا صاحبي اخر من يعلم بتحقق هذه الوحدة ، عندئذ ضحك مستغرباً من الاجابة التي كانت مستبعدة بالنسبة اليه ، وسألني كيف حدث ذلك من ورائنا ونحن آخر من يعلم؟،.
أجبته ، تحققت هذه الوحدة بالاستبداد القومي الشامل ، وبالتنافس العربي على أدنى مرتبة اكاديمية في العالم وفي متوسط الاعمار المتدني ومتوسط الدخل الاكثر تدنيا ، كما تحققت في النسبة العظمى من اطفال الشوارع ، فالعرب حصتهم اكثر من عشرة ملايين طفل ضائع بين سبعين مليونا من امثالهم،. وعندما اصغيت الى صمته الشاحب ، استطردت لاتحدث بالارقام عن السبب الذي دفعني الى القول بأن الوحدة تحققت ، لكن سلبياً ، ولا أدري لماذا ألح على كلمة الاستبداد.. فقلت له ان ما يحدث الآن ليس استبداداً كما سماه الكواكبي في القرن التاسع عشر ، فقد تطور الاستبداد الى استعباد مثلما تطورت الطبائع الى صنائع.
اما السؤال الذي كنت أتوقعه من معد البرنامج فهو باختصار ألاّ تستثني احداً؟ فأدركت على الفور ما الذي يريده ، فقلت له دع الاجابة للبرنامج وعلى الهواء.
واتفقنا على ان تحضر سيارة القناة الى منزلي في السادسة من مساء اليوم التالي ، ولكن ما توقعته قد حدث ، لهذا لم يفاجئني: ففي الساعة الخامسة اي قبل حضور السيارة بساعة ، اتصل بي المعد معتذراً لاسباب
لم استطع فهمها فهي ليست لها علاقة بانقطاع تيار الكهرباء او زحام الشوارع او نوبة قلبية ألمت بالضيف او المضيف ، وانتهى الامر عند اغلاق سماعة الهاتف.
ولو لم يقل العاملون في تلك القناة المرسومة بالقلم الرصاص على ورقة بيضاء بانهم مستقلون ، لهان الامر.. لهذا اصبح لزاما علينا ان نعيد تعريف جملة من المصطلحات منها مثلا الفضاء ، والاستقلال والاستبداد والحرية واخيراً الوحدة،.
لهذا استدعت ذاكرتي على الفور عبارة الشاعرة اليزابيث درو عن الغابة وما يقال ايضا عن الفضاء الذي يتسع للصقر والذبابة ، والطائرة المغيرة من طراز فانتوم 61 والحمامة،.
اننا نعيش زمنا ، علينا ان نعترف فيه بان الفيل يطير.. لكن ليس عالياً ، انسجاماً مع تلك النكتة السوداء عن مواطن قيل له بان زعيمه قال بان الفيلة تطير..،،.