عيد الفصح المجيد

وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 14:6)
من الاشياء المألوفة التي اعتدنا رؤيتها يوميا، منظر الصليب. فكلما مررنا أمام كنيسة نلاحظ الصليب يزين قبتها أو برجها. وإذا دخلنا بيتاً للعبادة نرى الصليب مرفوعا في المقدمة، واحيانا على النوافذ والجدران. ولو تأملنا زينة الناس، لوجدنا الكثير من النساء والرجال يعلقون الصليب في اعناقهم كأداة للزينة. وعندما نطالع الكتب، فكثيرا ما تقع أعيننا على بعض روائع الادب العربي والغرب من شعر ونثر كلها تتغنى بالصليب والمصلوب، ولهذا نتساءل: لماذا الاهتمام بالصليب الى هذه الدرجة؟ فهل الصليب رمز للفخر او للعار؟
عندما نطالع كتب التاريخ، نلاحظ ان الصليب كان يستعمل كأداة للتعذيب والموت. وقد استعمله الرومان كأداة للقصاص، ولإعدام كل من يرتكب افظع الجرائم التي تستوجب الموت. ولهذا فإن مجرد كلمة صليب بحد ذاتها كانت كافية لتلقي الهلع والرعب في قلوب الناس عند سماعها وقد قيل قديما "ملعون كل من علق على خشبة" اي على الصليب.
وهنا لا بد لنا ان نتساءل، طالما ان الصليب كان يستعمل كأداة للعذاب والموت، فلماذا اذا يزين بعض الناس صدورهم به في هذه الايام؟ ولماذا نرى الصليب اليوم يرتفع فوق قباب الكنائس، وتزين به دور العبادة والمستشفيات ودور العجزة والمياتم وسيارات الاسعاف والمؤسسات الكنسية او المسيحية على اختلاف انواعها؟ لماذا نرى رمز القسوة والعذاب والالم يستعمل كرمز للمحبة والرحمة والعطف؟
ان السيد المسيح المصلوب، هو الذي حول تلك الأداة من رمز للذل والعار، الى رمز للفخر والانتصار. فبعدما كان الصليب يشير قديما الى الموت، حوله المسيح الى رمز للحياة، وبعدما كان يستعمل كرمز للانتقام حوله المسيح الى رمز للطمأنينة والراحة والسلام. كان الصليب يستعمل كأداة للإهانة، فحوله المسيح الى رمز للمحبة والتضحية والفداء، حتى صار الصليب مدعاة للفخر فقال عنه بولس الرسول: "وأما من جهتي، فحاشا لي أن افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 14:6). وهكذا تحول الصليب بواسطة المسيح من أداة للذل والعار الى رمز للفخر والغلبة والانتصار.
وهكذا نستطيع أن نفهم أهمية الصليب الكبرى في الحياة المسيحية، ولماذا ترتكز حوله دعائم الديانة المسيحية. فبواسطة صليب المسيح، نرى محبة الله للانسان تتجسد "لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لاجلنا" (رومية 8:5). نعم، مات المسيح على الصليب لاجلنا نحن البشر الذين تعدينا وصايا الله وابتعدنا عن طرقه. والمعروف ان الانسان الخاطئ يجب ان ينال العقاب من الله والعقاب هو الموت كما تقول الآية: (لأن أجرة الخطية هي موت) (رومية 23:6). ولكن الله اظهر محبته اللامتناهية للانسان فارسل المسيح المخلص، كلمته المتجسد، ليخلص الناس من خطاياهم. فكان على المسيح ان يعاقب ويهان ويصلب نيابة عن الانسان الخاطئ. كان لا بد ليسوع من ان يصلب الخطية معه. كان لا بد له ان يموت فداء عنا ليمنحنا الحياة.
لقد مات المسيح عن الخطاة، وقام في اليوم الثالث ليمنحهم الحياة، وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الله الأب يشفع فينا. ولهذا فان الصليب اعطى معنى جديدا لحياتنا. لان موت المسيح على الصليب كان ضرورياً لخلاص البشر من الخطية. فالمسيح مات عن الخطاة لانه يحبهم. فهل نحن نحب الخطاة ونغفر لهم ونحاول اصلاحهم، ام اننا ننبذهم ونبتعد عنهم؟ وهل نحن نحب بعضنا بعضاً ام اننا نترفع على بعضنا البعض ظانين اننا احسن من غيرنا؟ وهل فكرنا مرة باننا كلنا خطاة ام اننا ننظر الى انفسنا بأننا كاملون لا نخطئ؟ هل نحن نحب الله ونؤمن بمن فدانا بدمه المسفوك على الصليب ام اننا نبتعد عنه ظانين اننا لسنا بحاجة اليه؟ يقول بولس الرسول: "وأما من جهتي, فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 14:6). فهل نحن نفتخر حقيقة بصليب المسيح؟ وهل نؤمن حقيقة بصليب المسيح؟ اننا نستعمله فقط لمجرد الزينة الخارجية؟
لو حاولنا ان نجيب عن هذه الاسئلة، لوجدنا اننا في كثير من الاحيان نتجاهل كلياً معنى الصليب في حياتنا. فلا يعني هذا الرمز لنا اكثر من مجرد اشارة لا معنى لها. فكم من شخص منا يعلق الصليب حول عنقه، ولكنه ينكر المسيح ولا يؤمن به؟ وكم من شخص يرسم اشارة الصليب، ولكن هذه الاشارة بالنسبة له ليست اكثر من مجرد عادة يمارسها من دون ان يدقق في مغزاها او يفهم معناها، ثم نسمعه بعد قليل يشتم ويلعن ويجدف على الله؟! هل يذكرنا الصليب الذي نحمله بان المسيح مات لكي يحيينا ويخلصنا من الخطية؟ هل يوحي لنا الصليب انه رمز لمحبة الله لنا وانه رمز فداء المسيح لنا؟ هل يوحي لنا الصليب بأن علينا ان نكرس حياتنا في سبيل من فدانا وخلاصنا، وانه علينا ان نحب الله ونحب اخواننا بني الانسان كما احبنا يسوع؟ هل يوحي لنا الصليب بانه علينا ان نحيا حياة الايمان والقداسة والبر، وبانه علينا ان نكون أمناء في حياتنا محبين مخلصين اوفياء وصادقين؟
ليتنا ندرك ان الصليب هو فخر حياتنا ورمز خلاصنا من الخطية لانه يشير الى صليب الجلجثة الذي تألم المسيح عليه ومات لكي يحيينا. فاذا كنا نفتخر بالصليب فعلاً، علينا اولا ان نؤمن بالمصلوب الذي علق عليه وبتعاليمه وأن نسير في خطواته، لانه ليس الصليب بحد ذاته فخرنا، بل المصلوب الذي مات عنا، الرب يسوع المسيح. ذلك المخلص الذي يستطيع ان يغفر خطايانا ويطهر نفوسنا، ويسيرنا في طريق القداسة، ويمنحنا نعمته المجانية للحصول على الحياة الابدية. ليكن الصليب في هذا العيد رمز فخارنا وكل عام وأنتم بخير وأردننا بألف خير.