من كواليس قمة سرت
خلال تسعة شهور ، اقامت ليبيا ، اثنين وعشرين قصرا رئاسيا ، للزعماء العرب ، وتسعة وتسعين فيلا ، كل تسع فلل في تجمع واحد ، على شكل حذوة فرس ، ومعها ، اربعمائة وخمسون شقة سكنية وفندق ، والكلفة بلغت مائة وخمسين مليون دولار وفقا للارقام الرسمية ، والمنفذون اتراك ، اقاموا كل هذه الدنيا في تسعة شهور.
اذا دخلت الى هذه القصور والفلل ، في مدينة سرت الليبية لا تصدق ان هذه اقيمت خلال تسعة شهور فقط. الاثاث فاخر جدا. وكأنها احتاجت الى سنين طويلة من اجل اعدادها للقمة العربية. مع كل هذا عقد للضيافة رسا ايضا على شركة تركية ، بقيمة عشرة ملايين دولار ، يتضمن وجود الف صبية تركية وستمائة شاب تركي ، من اجل الضيافة وخدمة الوفود ، يضاف الى ذلك خدمة الطعام والطبخ والكوي والغسيل. التأشيرات بين ليبيا وتركيا ، ملغاة ، وهذا يعني ان الاتراك يستطيعون دخول ليبيا دون مصاعب.
كلفة القمة لم تقف عند هذا الحد. كلفة استئجار سفينة تم انزال بعض الصحفيين والضيوف بها. كلفة الفنادق في طرابلس وسرت. شراء مئات سيارات المرسيدس الجديدة للوفود والمواكب ، ومعها كلف الموظفين الليبيين ، من رواتبهم ومياوماتهم ، بالاضافة الى العسكر والحرس والاعلام الليبي وكل الذين عملوا في قضايا فنية ويقدر عددهم بثلاثة الاف شخص ، تم توزيع المهمات عليهم ، وفقا لترتيبات معينة. مع كل هذا كلفة السفر بين سرت وطرابلس ، حيث كانت تتحرك طائرة ايرباص كل ساعة خلال اعمال القمة من طرابلس الى موقع القمة في سرت ، وتستغرق الرحلة خمسا واربعين دقيقة ، وكلفة تحريك الطائرة ليست بسيطة ، خصوصا ، ان بامكاننا ان نتخيل ماذا يعني تحريك طائرة كل ساعة ، وقد طرنا عبرها ، وهي مملوكة لشركة الطيران الافريقية ، وتشعر ان الطائرة ، لم تطر الا في هذه القمة ، لكونها جديدة.
اجمالي الكلف ودون مبالغات ، قد يصل الى نصف مليار دولار. البعض الاخر يرى ان الرقم اقل بكثير من القيمة الحقيقية لكلفة القمة على ليبيا.
فهمي هويدي الكاتب المصري المعروف عالج هذه القصة ، بعد ان قرأ بعض التفاصيل التي نشرتها جريدة "الحياة" اللندنية ، وهي تفاصيل تبقى أقل بكثير ممن شاهد بأم عينيه المشهد ، في مدينة سرت التي لها مكانة خاصة عند القذافي ، كونها شهدت ولادته ، وكون قبيلته تنتمي الى سرت. وسرت شهدت انقلابا خلال تسعة شهور. تبقى تفكر في الاتراك ، الذين كانت بصماتهم في كل مكان في القمة العربية. القمة كانت بأدارة تركية ، وخطاب اردوغان القوي لصالح فلسطين ، يقول ان تركيا عائدة الى المنطقة ، سياسيا واقتصاديا.
القدس حازت في القمة العربية رقما يقترب من نصف مليار دولار ، ايضا ، كدعم اقره العرب لها. وهو يُذكرني بمبلغ الثلاثة مليارات دولار الذي تم اقراره من اجل غزة ، ولم يصل منه دولار واحد ، وعاد الغزيون الى بناء بيوت الطين. المال لن يصل الى القدس ، واسرائيل لا يهمها كل هذا الكلام من بيانات القمم العربية. لانها تعرف ان الكلام لايحرر وطنا ، ولا يحمي مدينة قاب قوسين او ادنى من الانهيار والضياع.
لا "غزة" قبضت ، ولا "القدس" سلمت ، فيما "اسطنبول" ابدعت ، و"سرت" ازدهرت.
ماهر ابو طير /الدستور
